وفي قولهم :﴿أنى يكون له الملك علينا﴾ إلى آخره ما يدل على أنه مركوز في الطباع أن لا يقدم المفضول على الفاضل، واستحقار من كان غير موسع عليه، فاستبعدوا أن يتملك عليهم من هم أحق بالملك منه، وهو فقير والملك يحتاج إلى أصالة فيه، إذ يكون أعظم في النفوس، وإلى غنى يستعبد به الرجال، ويعينه على مقاصد الملك، لم يعتبروا السبب الأقوى، وهو : قضاء الله وقدره :﴿قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء﴾ واعتبروا السبب الأضعف، وهو : النسب والغنى ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ " لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلاَّ بالتقوى ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ " وقال الله تعالى ﴿ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم﴾ قال الشاعر :
وأعجب شيء إلى عاقل...
فتوّ عن المجد مستأخره
إذا سئلوا ما لهم من علا ؟...
أشاروا إلى أعظم ناخره. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٦٦﴾
وقال ابن عاشور :
وأَنَّى في قوله :﴿أنى يكون له الملك علينا﴾ بمعنى كيف، وهو استفهام مستعمل في التعجب، تعجبوا من جعل مِثله ملكاً، وكان رجلاً فلاحاً من بيت حقير، إلاّ أنه كان شجاعاً، وكان أطول القوم، ولما اختاره صمويل لذلك، فتح الله عليه بالحكمة، وتنبأ نبوءات كثيرة، ورضيت به بعض إسرائيل، وأباه بعضهم، ففي سفر صمويل أن الذين لم يرضَوا به هم بنو بليعال (١) والقرآن ذكر أن بني إسرائيل قالوا : أنى يكون له الملك علينا وهو الحق ؛ لأنهم لا بد أن يكونوا قد ظنوا أن مَلكهم سيكون من كبرائهم وقوادهم.
(١) ما ذكر فى التوراة لا ينبغى التعويل عليه لعدم سلامتها من الأيادى الآثمة التى حرفتها. والله أعلم.