والسر في اختيار نبيئهم لهم هذا الملك أنه أراد أن تبقى لهم حالتهم الشورية بقدر الإمكان، فجعل مَلِكهم من عامتهم لا من سادتهم، لتكون قدمه في الملك غير راسخة، فلا يخشى منه أن يشتد في استعباد أمته، لأن الملوك في ابتداء تأسيس الدول يكونون أقرب إلى الخير لأنهم لم يعتادوا عظمة الملك ولم ينسوا مساواتَهم لأمثالهم، وما يزالون يتوقعون الخلع، ولهذا كانت الخلافة سُنَّةَ الإسلام، وكانت الوراثة مبدأ الملك في الإسلام، إذ عهد معاوية ابن أبي سفيان لابنه يزيد بالخلافة بعده، والظن به أنه لم يكن يسعه يومئذٍ إلاّ ذلك ؛ لأن شيعة بني أمية راغبون فيه، ثم كانت قاعدة الوراثة للملك في دول الإسلام وهي من تقاليد الدول من أقدم عصور التاريخ، وهي سنة سيئة ولهذا تجد مؤسسي الدول أفضل ملوك عائلاتهم، وقواد بني إسرائيل لم يتفطنوا لهذه الحكمة لقصر أنظارهم، وإنما نظروا إلى قلة جدته، فتوهموا ذلك مانعاً من تمليكه عليهم، ولم يعلموا أن الاعتبار بالخلال النفسانية، وأن الغنى غنى النفس لا وفرة المال وماذا تجدي وفرته إذا لم يكن ينفقه في المصالح، وقد قال الراجز :
قدني من نصر الخُبَيْبين قَدِي
ليسَ الإمامُ بالشحيح المُلحد...
أهـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٩٠﴾
فإن قيل : ما الفرق بين الواوين في قوله :﴿وَنَحْنُ أَحَقُّ﴾ وفي قوله :﴿وَلَمْ يُؤْتَ﴾.
قلنا : الأولى للحال، والثانية لعطف الجملة على الجملة الواقعة حالاً، والمعنى : كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق بالملك، وأنه فقير ولا بد للملك من مال يعتضد به. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٤٧﴾
قوله تعالى :﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
المناسبة
قال البقاعى :