فحق المؤمن أن يأبى الحرب ولا يطلبه فإنه إن طلبه فأوتيه عجز كما عجز هؤلاء حين تولوا إلا قليلاً فهذه الأقاصيص ليس المراد منها حديثاً عن الماضين وإنما هو إعلام بما يستقبله الآتون، إياك أعني واسمعي يا جارة! فلذلك لا يسمع القرآن من لم يأخذه بجملته خطاباً لهذه الأمة بكل ما قص له من أقاصيص الأولين - انتهى.
ويجوز أن يكون الخطاب لكل من ألقى السمع وهو شهيد.
ولما كان الإخلال من الشريف أقبح قال ﴿إلى الملإ﴾ أي الأشراف، قال الحرالي : الذين يملؤون العيون بهجة والقلوب هيبة - انتهى.
ولما كان ذلك من أولاد الصلحاء أشنع قال :﴿من بني إسراءيل﴾ ولما كان ممن تقرر له الدين واتضحت له المعجزات واشتهرت عنده الأمور الإلهيات أفحش قال ﴿من بعد موسى﴾ أي الذي أتاهم من الآيات بما طبق الأرض كثرة وملأ الصدور عظمة وأبقى فيهم كتاباً عجباً ما بعد القرآن من الكتب السماوية مثله.
قال الحرالي : وفيه إيذان بأن الأمة تختل بعد نبيها بما يصحبها من نوره زمن وجوده معهم، قالوا : ما نفضنا أيدينا من تراب رسول الله ﷺ حتى أنكرنا قلوبنا - انتهى.
﴿إذ قالوا﴾ ولما كان الإخلاف مع الأكابر لا سيما مع الأنبياء أفظع قال :﴿لنبي لهم﴾ ونكره لعدم مقتض لتعريفه.
قال الحرالي : لأن نبيهم المعهود الآمر لهم إنما هو موسى عليه الصلاة والسلام، ومن بعده إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام إنما هم أنبياء بمنزلة الساسة والقادة لهم كالعلماء في هذه الأمة منفذون وعالمون بما أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام كذلك كانوا إلى حين تنزيل الإنجيل فكما قص في صدر السورة حالهم مع موسى عليه الصلاة والسلام قص في خواتيمها حالهم من بعد موسى لتعتبر هذه الأمة من ذلك حالها مع نبيها ﷺ وبعده انتهى.