هذا خطاب لأُمة محمد ﷺ بالقتال في سبيل الله في قول الجمهور. وهو الذي يُنْوَى به أن تكون كلمة الله هي العليا. وسُبُل الله كثيرة فهي عامة في كل سبيل ؛ قال الله تعالى :﴿قُلْ هذه سبيلي﴾ [ يوسف : ١٠٨ ]. قال مالك : سُبُل الله كثيرة، وما من سبيل إلا يقاتل عليها أو فيها أولها، وأعظمها دين الإسلام، لا خلاف في هذا. وقيل : الخطاب للذين أُحْيُوا من بني إسرائيل ؛ روي عن ابن عباس والضحاك. والواو على هذا في قوله ﴿وَقَاتِلُواْ﴾ عاطفة على الأمر المتقدّم، وفي الكلام متروك تقديره : وقال لهم قاتلوا. وعلى القول الأوّل عاطفة جملة كلام على جملة ما تقدّم، ولا حاجة إلى إضمار في الكلام.
قال النحاس :" وقَاتِلُوا" أمر من الله تعالى للمؤمنين ألاّ تهربوا كما هرب هؤلاء. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٣٦﴾
قال الطبري :
ولا وجه لقول من زعم أن قوله :" وقاتلوا في سبيل الله"، أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال، بعد ما أحياهم. لأن قوله :" وقاتلوا في سبيل الله"، لا يخلو- إن كان الأمر على ما تأولوه- من أحد أمور ثلاثة :
إما أن يكون عطفا على قوله :" فقال لهم الله موتوا"، وذلك من المحال أن يميتهم، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله.
أو يكون عطفا على قوله :" ثم أحياهم"، وذلك أيضا مما لا معنى له.
لأن قوله :" وقاتلوا في سبيل الله"، أمر من الله بالقتال، وقوله :" ثم أحياهم"، خبر عن فعل قد مضى. وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض، لو كانا جميعا خبرين، لاختلاف معنييهما. فكيف عطف الأمر على خبر ماض ؟


الصفحة التالية
Icon