ولما كان إخلاف الوعد مع قرب العهد أشنع قال :﴿فلما﴾ بالفاء المؤذنة بالتعقيب ﴿كتب عليهم﴾ أي خاصة ﴿القتال﴾ أي الذي سألوه كما كتب عليكم بعد أن كنتم تمنونه إذ كنتم بمكة كما سيبين إن شاء الله تعالى في النساء عند قوله تعالى :﴿ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم﴾ [ النساء : ٧٧ ]، ﴿تولوا﴾ فبادروا الإدبار بعد شدة ذلك الإقبال ﴿إلا قليلاً منهم﴾ أي فقاتلوا والله عليم بهم ﴿والله﴾ أي الذي له الإحاطة بكل كمال ﴿عليم﴾ بالمتولين، هكذا كان الأصل ولكنه قال :﴿بالظالمين﴾ معلماً بأنهم سألوا البلاء وكان من حقهم سؤال العافية، ثم لما أجيبوا إلى ما سألوا أعرضوا عنه فكفوا حيث ينبغي المضاء ومضوا حيث كان ينبغي الكف فعصوا الله الذي أوجبه عليهم، فجمعوا بين عار الإخلاف وفضيحة العصيان وخزي النكوص عن الأقران وقباحة الخذلان للإخوان. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٧١ ـ ٤٧٢﴾
قال الفخر :
إنه تعالى ذكر أن القوم قالوا :﴿وَمَا لَنَا أَن لا نقاتل فِى سَبِيلِ الله﴾ وهذا يدل على ضمان قوي خصوصاً واتبعوا ذلك بعلة قوية توجب التشدد في ذلك، وهو قولهم :﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن ديارنا وَأَبْنَائِنَا﴾ لأن من بلغ منه العدو هذا المبلغ فالظاهر من أمره الاجتهاد في قمع عدوه ومقاتلته.
فإن قيل : المشهور أنه يقال : مالك تفعل كذا ؟ ولا يقال : مالك أن تفعل كذا ؟ قال تعالى :﴿مَالَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾ [ نوح : ١٣ ] وقال :﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله﴾ [ الحديد : ٨ ].
والجواب من وجهين : الأول : وهو قول المبرد : أن ﴿مَا﴾ في هذه الآية جحد لا استفهام كأنه قال : ما لنا نترك القتال، وعلى هذا الطريق يزول السؤال.
الوجه الثاني : أن نسلم أن ﴿مَا﴾ ههنا بمعنى الاستفهام، ثم على هذا القول وجوه
الأول : قال الأخفش : أن ههنا زائدة، والمعنى : ما لنا لا نقاتل وهذا ضعيف، لأن القول بثبوت الزيادة في كلام الله خلاف الأصل


الصفحة التالية
Icon