فمعنى الآية على هذا : إنا عالمون بالواقع من هذه الآيات فأتينا بعبارة يطابقها ذلك الواقع لا يزيد عنها ولا ينقص، فتلك العبارة ثابتة ثبات الواقع لا يتمكن منصف عالم من إنكارها ولا إنكار شيء منها، كما لا يتمكن من إنكار الواقع المعلوم وقوعه، ويكون الخبر عنها صدقاً لأنه مطابق لذلك الواقع بغير زيادة ولا نقص ؛ والحاصل أن الحق يعتبر من جانب المخبر، فإنه يأتى بعبارة يساويها الواقع فتكون حقاً، وأن الصدق يعتبر من جانب السامع، فإنه ينظر إلى الخبر، فإن وجده مطابقاً للواقع قال : هذا صدق، وليس ببعيد أن يكون من الشواهد على ذلك هذه الآية وقوله سبحانه وتعالى ﴿والذي جاء بالصدق وصدق به﴾ [ الزمر : ٣٣ ] وقوله ﴿قال فالحق والحق أقول﴾ [ ص : ٨٤ ] ﴿بل جاء بالحق وصدق المرسلين﴾ [ الصافات : ٣٧ ] و﴿هو الحق مصدقاً لما بين يديه﴾ [ فاطر : ٣١ ]، وكذا ﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق﴾ [ الحجر : ٨٥ ] أي أن هذا الفعل وهو خلقنا لها لسنا متعدين فيه، وهذ الواقع يطابق خلقها لا يزيد عليه بمعنى أنه كان علينا أن نزيد فيها شيئاً وليس لنا الاقتصار على ما وجد ولا ننقص عنه بمعنى أنه كان علينا أن نجعلها ناقصة عما هي عليه ولم يكن لنا إتمامها هكذا ؛ أو بالحق الذي هو قدرتنا واختيارنا لا كما يدعيه الفلاسفة من الفعل بالذات من غير اختيار : أو بسبب الحق أي إقامته وإثباته وإبطال الباطل ونفيه، وقوله ﴿وأتيناك بالحق وإنا لصادقون﴾ [ الحجر : ٦٤ ] أي أتيناك بالخبر بعذابهم وهو ثابت، لأن مضمونه إذا وقع فنسبتَه إلى الخبر علمت مطابقته له أي مطابقة الواقع إياه وإخبارنا عنه على ما هو به فنحن صادقون فيه، أي نسبنا وقوع العذاب إليهم نسبة تطابق الواقع فإذا وقع نظرت إلى إخبارنا فرأيته مطابقاً له فعلمت صدقنا فيه ؛ والذي لا يدع في ذلك لبساً قوله سبحانه وتعالى حكاية عن يوسف عليه الصلاة والسلام ﴿قد جعلها ربي حقاً﴾ [ يوسف : ١٠٠


الصفحة التالية
Icon