] أتى بمطابقة الواقع لتأويلها، وأما صدقه ﷺ فهو بنسبة الخبر إلى الواقع وهو أنه رأى ما أخبر به وذلك موجود من حين إخباره ﷺ فإن خبره كان حين إخباره به مطابقاً للواقع، وأما صدق الرؤيا فباعتبار أنه كان لها واقع طابقه تأويلها ؛ فإن قيل : تأسيس المفاعلة أن تكون بين اثنين فصاعداً يفعل أحدهما بالآخر ما يفعل الآخر به، فهب أنّا اعتبرنا المطابقة من جانب واحد فذلك لا ينفي اعتبارها من الجانب الآخر فماذا يغني ما ادعيته، قيل إنها وإن كان لا بد فيها من مراعاة الجانبين لكنها تفهم أن الذي أسند إليه الفعل هو الطالب، بخلاف باب التفاعل فإنه لا دلالة لفعله على ذلك، وجملة الأمر أن الواقع أحق باسم الحق لأنه الثابت والخبر أحق باسم الصدق، والواقع طالب لخبر يطابقه ليعرف على ما هو عليه والخبر طالب لمطابقة الواقع له فيكتسب الشرف بتسميته صدقاً.
وأول ثابت في نفس الأمر هو الواقع فإنه قبل الخبر عنه بأنه وقع، فإذا كان مبدأ الطلب من الواقع سمي الخبر باسمه، إذا كان مبدأ الطلب من الخبر سمي باسمه الحقيق به، ولعلك إذا اعتبرت آيات الكتاب الناطق بالصواب وجدتها كلها على هذا الأسلوب - والله سبحانه وتعالى الموفق.
ولما ثبت أن التلاوة عليه ﷺ حق قال تعالى :﴿وإنك﴾ أي والحال أنك ﴿لمن المرسلين﴾ بما دلت هذه الآيات عليه من علمك بها من غير معلم من البشر ثم بإعجازها الباقي على مدى الدهر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٨٣ ـ ٤٨٤﴾
قال الفخر :
اعلم أن قوله :﴿تِلْكَ﴾ إشارة إلى القصص التي ذكرها من حديث الألوف وإماتتهم وإحيائهم وتمليك طالوت، وإظهار الآية التي هي نزول التابوت من السماء، وغلب الجبابرة على يد داود وهو صبي فقير، ولا شك أن هذه الأحوال آيات باهرة دالة على كمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته.