قال أهل اللغة ﴿لَّمْ يَطْعَمْهُ﴾ أي لم يذقه، وهو من الطعم، وهو يقع على الطعام والشراب هذا ما قاله أهل اللغة، وعندي إنما اختير هذا اللفظ لوجهين من الفائدة أحدهما : أن الإنسان إذا عطش جداً، ثم شرب الماء وأراد وصف ذلك الماء بالطيب واللذة قال : إن هذا الماء كأنه الجلاب، وكأنه عسل فيصفه بالطعوم اللذيذة، فقوله :﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ﴾ معناه أنه وإن بلغ به العطش إلى حيث يكون ذلك الماء في فمه كالموصوف بهذه الطعوم الطيبة فإنه يجب عليه الاحتراز عنه، وأن لا يشربه والثاني : أن من جعل الماء في فمه وتمضمض به ثم أخرجه من الفم، فإنه يصدق عليه أنه ذاقه وطعمه، ولا يصدق عليه أنه شربه، فلو قال : ومن لم يشربه فإنه مني كان المنع مقصوراً على الشرب، أما لما قال :﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ﴾ كان المنع حاصلاً في الشرب وفي المضمضة، ومعلوم أن هذا التكليف أشق، وأن الممنوع من شرب الماء إذا تمضمض به وجد نوع خفة وراحة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٣﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني ﴾ يقال : طعِمت الشيء أي ذقته.
وأطعمته الماء أي أذقته، ولم يقل ومن لم يشربه لأن من عادة العرب إذا كرروا شيئاً أن يكرروه بلفظ آخر، ولغة القرآن أفصح اللغات، فلا عِبرة بقدح من يقول : لا يقال طعمت الماء. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٥٢﴾
وقال أبو حيان :
﴿ ومن لم يطعمه فإنه مني ﴾ أي : من لم يذقه، وطعم كل شيء ذوقه، ومنه التطعم، يقال : تطعمت منه أي : ذقته، وتقول العرب لمن لا تميل نفسه إلى مأكول، تطعم منه يسهل أكله، قال ابن الأنباري : العرب تقول : أطعمتك الماء تريد أذقتك، وطعمت الماء أطعمه بمعنى ذقته قال الشاعر :
فإن شئتُ حرمت النساء عليكم...
وإن شئتُ لم أطعم نقاخاً ولا برداً
النقاخ : العذب، والبرد : النوم، ويقال : ما ذقت غماضاً.
وفي حديث أبي ذر.
" في ماء زمزم.