طعام طعم" وفي الحديث :" ليس لنا طعام إلاَّ الأسودين : التمر والماء " والطعم يقع على الطعام والشراب، واختير هذا اللفظ لأنه أبلغ، لأن نفي الطعم يستلزم نفي الشرب، ونفي الشرب لا يستلزم نفي الطعم، لأن الطعم ينطلق على الذوق، والمنع من الطعم أشق في التكليف من المنع من الشرب، إذ يحصل بإلقائه في الفم، وإن لم يشربه، نوع راحة.
وفي قوله :﴿ ومن لم يطعمه ﴾ دلالة على أن الماء طعام، وقد تقدّم أيضاً ما يدل على ذلك. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٧٣﴾
وقال الخليل بن أحمد :
الطَّعامُ اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُؤْكَلُ، وكذلك الشّراب لكلّ ما يُشْرَبُ.
والعالي في كلامِ العَرَب : أنّ الطّعام هو البُرُّ خاصّة. ويقال : اسم له وللخُبْزِ المخبوز، ثم يُسَمَّى بالطعام ما قرب منه، وصار في حدّه، وكلُّ ما يَسُدُّ جوعاً فهو طَعام. قال تعالى : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وطَعَامُهُ مَتاعاً لكُمْ.
فسمَّى الصّيدَ طَعاماً، لأنّه يَسُدُّ الجوعَ، ويُجْمَعُ : أطْعِمَة وأَطْعِمات.
ورجل طاعِمٌ : حسن الحال في المَطْعَم. قال :
فَاقْعُدْ فإنّكَ أنْتَ الطّاعم الكاسي
وطَعِمَ يَطْعَمُ طعاماً، هكذا قياسُه.
وقول العرب : مُرُّ الطَّعْمِ وحُلْو الطَّعْمِ معناه الذّوق، لأنّكَ تقول : اطْعَمْهُ، أي : ذُقْهُ، ولا تُريد به امضَغْه كما يُمْضَغ الخبز، وهكذا في القرآن :" ومَنْ لم يَطْعَمْهُ فإِنّه منّي ".
فجعل ذوق الشّراب طَعْماً. نهاهم أن يأخذوا منه إلا غَرْفَة وكان فيها ريُّ الرّجُلِ وريُّ دابَّتِهِ. أ هـ ﴿العين حـ ٢ صـ ٢٥ ـ ٢٦﴾
فائدة
قال الفخر :
إنه تعالى قال في أول الآية :﴿فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي﴾ ثم قال بعده :﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ﴾ وكان ينبغي أن يقال : ومن لم يطعم منه ليكون آخر الآية مطابقاً أولها، إلا أنه ترك ذلك اللفظ، واختير هذا لفائدة، وهي أن الفقهاء اختلفوا في أن من حلف لا يشرب من هذا النهر كيف يحنث ؟ قال أبو حنيفة لا يحنث إلا إذا كرع من النهر، حتى لو اغترف بالكوز ماء من ذلك النهر وشربه لا يحنث، لأن الشرب من الشيء هو أن يكون ابتداء شربه متصلاً بذلك الشيء، وهذا لا يحصل إلا بأن يشرب من النهر، وقال الباقون إذا اغترف الماء بالكوز من ذلك النهر وشربه يحنث، لأن ذلك وإن كان مجازاً إلا أنه مجاز معروف مشهور.
إذا عرفت هذا فنقول : إن قوله :﴿فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي﴾ ظاهره أن يكون النهي مقصوراً على الشرب من النهر، حتى لو أخذه بالكوز وشربه لا يكون داخلاً تحت النهي، فلما كان هذا الاحتمال قائماً في اللفظ الأول ذكر في اللفظ الثاني ما يزيل هذا الإبهام، فقال :﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّى﴾ أضاف الطعم والشرب إلى الماء لا إلى النهر إزالة لذلك الإبهام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٣ ـ ١٥٤﴾
فائدة أخرى
قال القرطبى :


الصفحة التالية
Icon