وقرأ الحرميان، وأبو عمر، و : غرفة، بفتح الغين وقرأ الباقون بضمها، فقيل : هما بمعنى المصدر، وقيل : هما بمعنى المغروف، وقيل : الغرفة بالفتح المرة، وبالضم ما تحمله اليد، فإذا كان مصدراً فهو على غير الصدر، إذ لو جاء على الصدر لقال : اغترافة، ويكون مفعول اغترف محذوفاً، أي : ماء، وإذا كان بمعنى المغروف كان مفعولاً به، قال ابن عطية : وكان أبو عليّ يرجح ضم الغين، ورجحه الطبري أيضاً : أن غرفة بالفتح إنما هو مصدر على غير اغتراف. انتهى.
وهذا الترجيح الذي يذكره المفسرون والنحويون بين القراءتين لا ينبغي، لأن هذه القراءات كلها صحيحة ومروية ثابتة عن رسول الله ﷺ، ولكل منها وجه ظاهر حسن في العربية، فلا يمكن فيها ترجيح قراءة على قراءة. (١) أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٧٥﴾
فائدة
قال الفخر :
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كانت الغرفة يشرب منها هو ودوابه وخدمه، ويحمل منها.
وأقول : هذا الكلام يحتمل وجهين
أحدهما : أنه كان مأذوناً أن يأخذ من الماء ما شاءه مرة واحدة، بغرفة واحدة، بحيث كان المأخوذ في المرة الواحدة يكفيه ولدوابه وخدمه، ولأن يحمله مع نفسه
والثاني : أنه كان يأخذ القليل إلا أن الله تعالى يجعل البركة فيه حتى يكفي لكل هؤلاء، وهذا كان معجزة لنبي ذلك الزمان، كما أنه تعالى كان يروي الخلق العظيم من الماء القليل في زمان محمد عليه الصلاة والسلام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٤﴾
وقال أبو حيان :

_____
(١) هذه قاعدة جليلة تكثر الحاجة إليها فكثيرا ما نرى بعض المفسرين يفاضلون ويرجحون بين القراءات المتواترة وكلها ثابت عن رسول الله ـ ﷺ ـ فلا يجوز تضعيف شىء منها بحال. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon