المسألة الثانية : قد ذكرنا أن المقصود من هذا الابتلاء أن يتميز الصديق عن الزنديق، والموافق عن المخالف، فلما ذكر الله تعالى أن الذين يكونون أهلاً لهذا القتال هم الذين لا يشربون من هذا النهر، وأن كل من شرب منه فإنه لا يكون مأذوناً في هذا القتال، وكان في قلبهم نفرة شديدة عن ذلك القتال، لا جرم أقدموا على الشرب، فتميز الموافق عن المخالف، والصديق عن العدو، ويروى أن أصحاب طالوت لما هجموا على النهر بعد عطش شديد، وقع أكثرهم في النهر، وأكثروا الشرب، وأطاع قوم قليل منهم أمر الله تعالى، فلم يزيدوا على الاغتراف، وأما الذين شربوا وخالفوا أمر الله فاسودت شفاههم وغلبهم العطش ولم يرووا، وبقوا على شط النهر، وجبنوا على لقاء العدو، وأما الذين أطاعوا أمر الله تعالى، فقوي قلبهم وصح إيمانهم، وعبروا النهر سالمين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٤ ـ ١٥٥﴾
قال ابن عاشور :
وقد دل قوله :﴿ فشربوا منه ﴾ على قِلة صبرهم، وأنهم ليسوا بأهل لمزاولة الحروب، ولذلك لم يلبثوا أن صرحوا بعدَ مجاوزة النهر فقالوا :﴿ لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ﴾ فيحتمل أن ذلك قالوه لما رأوا جنود الأعداء، ويحتمل أنهم كانوا يعلمون قوة العدو، وكانوا يسرون الخوف، فلما اقترب الجيشان، لم يستطيعوا كتمان ما بهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٩٨﴾
فصل
قال الفخر :
القليل الذي لم يشرب قيل : إنه أربعة آلاف، والمشهور وهو قول الحسن أنهم كانوا على عدد أهل بدر ثلثمائة وبضعة عشر وهم المؤمنون، والدليل عليه أن النبي ﷺ قال لأصحابه يوم بدر : أنتم اليوم على عدة أصحاب طالوت حين عبروا النهر وما جاز معه إلا مؤمن، قال البراء بن عازب : وكنا يومئذٍ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٥﴾