والجواب الثالث : يحتمل أن يقال : القسم الأول من المؤمنين لما شاهدوا قلة عسكرهم قالوا :﴿لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾ فلا بد أن نوطن أنفسنا على القتل، لأنه لا سبيل إلى الفرار من أمر الله، والقسم الثاني قالوا : لا نوطن أنفسنا بل نرجو من الله الفتح والظفر، فكان غرض الأولين الترغيب في الشهادة والفوز بالجنة، وغرض الفريق الثاني الترغيب في طلب الفتح والنصرة، وعلى هذا التقدير لا يكون في واحد من القولين ما ينقض الآخر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٥ ـ ١٥٦﴾
قوله تعالى :﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
المناسبة
قال البقاعى :
ولما أخبر عنهم بهذا القول نبه على أنه لا ينبغي أن يصدر ممن يظن أن أجله مقدر لا يزيد بالجبن والإحجام ولا ينقص بالجرأة والإقدام وأنه يلقى الله فيجازيه على عمله وأن النصر من الله لا بالقوة والعدد فقال :﴿قال الذين يظنون﴾ أي يعلمون ولكنه عبر بالظن لما ذكر ﴿أنهم ملاقوا الله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام إشارة إلى أنه يكفي في الخوف من الله والرجاء له الظن لأنه يوجب فرار العقل مما يظن أنه يكرهه سبحانه وتعالى إنقاذاً لنفسه من الهلاك بذلك كما أسرف هؤلاء في الشرب لظن الهلاك بعدمه ورجعوا لظن الهلاك باللقاء ؛ ويجوز أن يكون الظن على بابه ويأول اللقاء بالحالة الحسنة ﴿كم من فئة قليلة﴾ كما كان في هذه الأمة في يوم بدر ﴿غلبت فئة كثيرة﴾ ثم نبه على أن سبب النصر الطاعة والذكر لله بقوله :﴿بإذن الله﴾ أي بتمكين الذي لا كفوء له، فلا ينبغي لمن علم ذلك أن يفتر عن ذكره ويرضى بقضائه.
ثم بين أن ملاك ذلك كله الصبر بقوله :﴿والله﴾ أي الملك الأعظم ﴿مع الصابرين﴾ ولا يخذل من كان معه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٧٩﴾
قال أبو السعود :