الوجه الرابع : أنا ذكرنا في تفسير قوله تعالى :﴿أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ﴾ أن المراد بالسكينة على قول بعض المفسرين أنه كان في التابوت كتب إلهية نازلة على الأنبياء المتقدمين، دالة على حصول النصر والظفر لطالوت وجنوده، ولكنه ما كان في تلك الكتب أن النصر والظفر يحصل في المرة الأولى أو بعدها، فقوله :﴿الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ الله﴾ يعني الذين يظنون أنهم ملاقوا وعد الله بالظفر، وإنما جعله ظناً لا يقيناً لأن حصوله في الجملة وإن كان قطعاً إلا أن حصوله في المرة الأولى ما كان إلا على سبيل حسن الظن.
الوجه الخامس : قال كثير من المفسرين : المراد بقوله :﴿يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ الله﴾ أنهم يعلمون ويوقنون، إلا أنه أطلق لفظ الظن على اليقين على سبيل المجاز لما بين الظن واليقين من المشابهة في تأكد الاعتقاد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٦ ـ ١٥٧﴾
وقال القرطبى :
ويجوز أن يكون شَكّاً لا علماً، أي قال الذين يتوَهّمون أنهم يُقْتلون مع طالوت فيلقون الله شهداء، فوقع الشك في القتل. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٥٥﴾
قوله تعالى :﴿كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله﴾
قال الفخر :
أما قوله :﴿كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله﴾
المراد منه تقوية قلوب الذين قالوا :﴿لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾ والمعنى أنه لا عبرة بكثرة العدد إنما العبرة بالتأييد الإلهي، والنصر السماوي، فإذا جاءت الدولة فلا مضرة في القلة والذلة، وإذا جاءت المحنة فلا منفعة في كثرة العدد والعدة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥٧﴾
وقال القرطبى ـ ولله دره ـ :
وفي قولهم رضي الله عنهم :" كم من فئة قليلة" الآية، تحريضٌ على القتال واستشعارٌ للصبر واقتداءٌ بمن صدّق ربه.