قلت : هكذا يجب علينا نحن أن نفعل ؟ لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة منعت من ذلك حتى ينكسر العدد الكبير منا قدّام اليسير من العدوّ كما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا! وفي البخاريّ : وقال أبو الدرداء : إنما تقاتلون بأعمالكم.
وفيه مُسْند أن النبيّ ﷺ قال :" هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم " فالأعمال فاسدة والضعفاء مُهْمَلون والصبر قليل والاعتماد ضعيف والتقوى زائلة! قال الله تعالى :﴿ اصبروا وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ واتقوا الله ﴾ [ آل عمران : ٢٠٠ ] وقال :﴿ وَعَلَى الله فتوكلوا ﴾ [ المائدة : ٢٣ ] وقال :﴿ إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ [ النحل : ١٢٨ ] وقال :﴿ وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ ﴾ [ الحج : ٤٠ ] وقال :﴿ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ﴾ [ الأنفال : ٤٥ ].
فهذه أسباب النصر وشروطه وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحلَّ بنا! بل لم يبق من الإسلام إلى ذكره، ولا من الدِّين إلاّ رَسْمُه لظهور الفساد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد حتى استولى العدوّ شرقاً وغرباً براً وبحراً، وعَمّت الفتن وعظُمت المحَن ولا عاصم إلا من رحِم!. (١) أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٥٥﴾

______
(١) رحم الله الإمام القرطبى فكأنه كان ينظر من شرفات الغيب بهذا الكلام الذى يجسد واقعنا المر وما آلت إليه أحوال الأمة الممزقة. وحسبنا الله ونعم الوكيل.


الصفحة التالية
Icon