قال أبو السعود :
﴿ كَم مّن فِئَةٍ ﴾ أي فِرْقة وجماعة من الناس من فأَوْتُ رأسَه إذا شققتها أو من فاء إليه إذا رجَع فوزنُها على الأول فِعةٌ وعلى الثاني فِلَةٌ ﴿ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً ﴾ وكم خبرية كانت أو استفهامية مفيدةٌ للتكثير وهي في حيز الرفعِ بالابتداء خبرُها غلبتْ أي كثيرٌ من الفئات القليلةِ غلبت الفئاتِ الكثيرةَ ﴿ بِإِذُنِ الله ﴾ أي بحُكمه وتيسيرِه فإن دورانَ كافةِ الأمور على مشيئته تعالى فلا يذِلُّ من نصرَه وإن قل عددُه ولا يعِزُّ مَنْ خَذله وإن كثُرت أسبابُه وعُددُه وقد روُعيَ في الجواب نُكتةٌ بديعة حيث لم يقُلْ أطاقت بفئة كثيرةٍ حسبما وقع في كلام أصحابهم مبالغةً في رد مقالتِهم وتسكينِ قلوبهم، وهذا كما ترى جواب ناشىء من كمال ثقتِهم بنصر الله تعالى وتوفيقه ولا دخل في ذلك لظن لقاءِ الله تعالى بالبعث لا سيما بالاستشهاد فإن العلمَ به ربما يورِثُ اليأسَ من الغَلَبة ولا لتوقُّع ثوابِه تعالى ولا ريب في أن ما ذُكر في حيز الصلةِ ينبغي أن يكونَ مداراً للحكم الواردِ على الموصول فلا أقلَّ من أن يكون وصفاً ملائماً له، فلعل المرادَ بلقائه تعالى لقاءُ نصرِه وتأييدُه عُبر عنه بذلك مبالغةً كما عُبر عن مقارَنةِ نصرِه تعالى لمعيَّته سبحانه حيث قيل :﴿ والله مَعَ الصابرين ﴾ فإن المرادَ به معيّةُ نصرِه وتوفيقِه حتماً، وحملُها على المعية بالإثابة كما فعل يأباه أنهم إنما قالوه تتميماً لجوابهم وتأييداً له بطريق الاعتراضِ التذييليِّ تشجيعاً لأصحابهم وتثبيتاً لهم على الصبر المؤدي إلى الغَلَبة، ولا تعلّقَ له بما ذكر من المعية بالإثابة قطعاً وكذا الحالُ إذا جُعل ذلك ابتداءَ كلامٍ من جهة الله تعالى جيء به تقريراً لكلامهم، والمعنى قال الذين يظنون أو يعلمون من جهة النبي أو من جهة التابوتِ والسكينة أنهم ملاقوا نصرِ الله العزيزِ : كم من فئةٍ قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله تعالى فنحن أيضاً نغلِبُ