فسره الشيخ الزمخشري : بالكرع مع أنه ينفي فيه المفهوم لأن الشرب منه يكون كرعا ويكون بإناء تملأ منه أو باليد.
وقوله " فَلَيْسَ مِنِّي " فسره إن أراد نفيه حقيقة عنه فيكون مجازا لأنه معلوم أنه ليس منه، فعبر بنفيه عنه نفيه عن ملته، وإن أراد نفيه عن اتباعه أي فليس من أتباعي وجندي فيكون على إضمار مضاف فيتعارض المجاز والإضمار.
قوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني ﴾.
قال ابن عرفة : أكد الثّاني بـ ( إن )، ولم يقل في الأول " فمن شرب منه فإنه ليس منّي " ؟ قال : والجواب بأنه إنّما لم يؤكد الأول لأن سببه أكثر ( في ) الوقوع، وأكد الثاني لأن سببه أقل في الوقوع فأكده حضا على المبادرة إلى امتثال سببه والعمل بمقتضاه.
قال : واحتج به بعضهم على أنّ الماء طعام وهو قول ابن نافع نقله ابن يونس في كتاب السلم الثالث.
وكان القاضي أبو عبد الله بن عبد السلام يحكي لنا عن الفقيه القاضي أبي القاسم بن علي بن البراء أن رجلا سأله وهو راكب على بغلته عمن حلف بالله لا يتناول طعاما ؟ فقال له : لا يأكل ولا يشرب الماء لأنه طعام واحتجّ بهذه الآية.
ورده ابن عرفة بوجهين :
الأول منهما : أن الآية اقتضت ذلك لغة، وأما الشرع فلا يسميه طعاما.
الثاني : أنه نفى في الأول الشرب وفي الثاني الطعمية، والطعمية أوائل الشرب، ولذلك ذكروا في الصيام أن الصّائم إذا استطعم الماء وبصقه فإنه لا يفسد صومه، فلما تعلق النفي بأوائل الشرب قال :" فَإِنَّهُ مِنِّي "، فأكد نسبته إليه بـ ( إنّ ) أي من اتّصف بكمال البعد عنه فهو موصوف بكمال القرب مني وبقي الواسطة مسكوتا عنه وهو الذي شرب بالإناء على تفسير الزمخشري فإما أن ذنبه أقل من ذنب من كرع أو مُسَاوٍ.
قال ابن عرفة : وَ ( لَمْ ) هنا بمعنى ( لما ).
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً بِيَدِهِ... ﴾.


الصفحة التالية
Icon