قال أبو حيان : يستثني من الجملة ( الأولى وهي ) ﴿ فَمَن شَرِبَ ﴾. زاد أبو البقاء أو مِنْ " مَنْ " الثانية وهي ﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ ﴾. وتعقب بأنّه لو كان من " مَن " الثانية للزم أن يكون من اغترف غرفة واحدة بيده ليس منه ( مع أنّه أبيحت لهم الغرفة ) الواحدة باليد لأن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات.
قال ابن عرفة : هذا لا يتعين بل يحتمل عندي استثناؤه من الجملتين فعلى أنّه مستثنى من الأولى يكون المراد نفيه عن الدخول في حكم ليس منِّي أي هو ( منه ) وعلى أنّه مستثنى من قوله :﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني ﴾ يكون ( النَّاس ) على ثلاثة أقسام :
شارب بفيه فليس منه، وشارب منه بيده وهذا يقال فيه ( هو ) منه فقط، ومن لم يشرب منه شيئا يقال فيه : إنَّه منه مجاله أبلغ، فاستثناؤه من الأخص أي إلا من اغترف غرفة بيده فليس محكوما عليه بأنّه " منّي " أي ليس متصفا بكمال القرب مني.
قيل لابن عرفة : يلزمك أن يكون ﴿ليس منّي﴾ قدرا مشتركا بين الحرام والمباح ؟
فقال : لم نخرجه ( منه ) وإنّما أخرجتهم، من قوله :﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني ﴾ فإذا خرج من هذا كان منفيا عنه أي يكون منه ( وقد ) قال : أول الآية ﴿ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ﴾. فيتعين أنّ النفي هنا ( نفي ) أخص باعتبار ترك الأمر المستحب بفعل الأمر المباح، فالمستحب ترك الشرب، والمباح الشرب باليد، والحرام الكرع فيه بالفم.
قال ابن عرفة : وغرفة بالضم والفتح، فالفتح هو الماء والضم الفعل.
( قال ابن عرفة ) : وعلى أنها الفعل يكون المفعول مقدرا أي إلا من اغترف غرفة ماء.
قال ( ابن عرفة ) : وفائدة التأكيد بالمصدر على هذا تحقيقا للرخصة في ذلك الفعل وتأكيدَ ( إباحتها ) خشية أن يتوهم قصر ذلك على أدنى شيء من الماء المأخوذ باليد فأكده تنبيها على إباحتة الغرفة الواحدة بكمالها.


الصفحة التالية
Icon