قوله ﴿ بِنَهَرٍ ﴾ الجمهورُ على قراءتَه بفتح الهاء وهي اللَّغة الفصيحةُ، وفيه لغةٌ أخرى : تسكينُ الهاءِ، وبها قرأ مجاهد وأبو السَّمَّال في جميع القرآن وكلُّ ثلاثي حشوه حرف حلق، فإِنّهُ يجيء على هذين الوجهين ؛ كقوله : صَخَرَ وَصَخْر وشَعَر وشَعْر وَبَحَر وَبَحْر ؛ قال :[ البسيط ]
كَأَنَّمَا خُلِقَتْ كَفَّاهُ مِن حَجَرٍ... فَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالنِّى عَمَلُ
يَرَى التَّيَمُّمَ فِي بَرٍّ وفي بَحَرٍ... مَخَافَةَ أَنْ يُرَى فِي كَفِّهِ بَلَلُ
وتقدم اشتقاقُ هذه اللَّفظة عند قوله تعالى :﴿ مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ [ البقرة : ٢٥ ].
قوله :﴿ فَلَيْسَ مِنِّي ﴾، أي : من أَشياعي وأصحابي، و" مِنْ " للتَّبعيض ؛ كأنه يجعلُ أصحابَه بعضه ؛ ومثله قول النَّابغة :[ الوافر ]
إِذَا حَاوَلْتَ فِي أَسَدٍ فُجُوراً... فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي
ومعنى يَطْعَمْهُ : يَذُقْهُ ؛ تقولُ العربُ :" طَمِعْتُ الشَّيْءَ " أي : ذُقْتُ طَعْمَهُ ؛ قال :[ الطويل ]
فَإِنْ شِئْتَ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ... وَإِنْ شِئْتَ لَمْ أَطْعَمْ نُقَاخاً وَلاَ بَرْدَا
والنقاخ : الماءُ العذبُ المروِي، والبردُ : هو النَّومُ.
فصل
قال أهلُ اللُّغة : وإِنَّما اختير هذا اللَّفظُ لوجهين :
أحدهما : أَنَّ الإِنسانَ إذا عطش جدّاً، ثم شربَ الماء، وأراد وصف ذلك الماء، فإِنَّهُ يصفُهُ بالطُّعُومِ اللَّذِيذة، فقوله :﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ ﴾، أي : وَإِنْ بلغ به العطشُ إلى حيث يكون الماءُ في فَمِهِ موصوفاً بالطُّعوم الطَّيِّبة ؛ فإنه يجب عليه الاحتراز عنه، وألا يشرب.