﴿ ولما برزوا لجالوت وجنوده ﴾ صاروا بالبراز من الأرض، وهو ما ظهر واستوى، والمبارزة في الحرب أن يظهر كل قرن لصاحبه بحيث يراه قرنه، وكان جنود طالوت ثلاثمائة ألف فارس، وقيل : مائة ألف، وقال عكرمة : تسعين ألفاً.
﴿ قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا ﴾ الصبر : هنا حبس النفس للقتال، فزعوا إلى الدعاء لله تعالى فنادوا بلفظ الرب الدال على الإصلاح وعلى الملك، ففي ذلك إشعار بالعبودية.
وقولهم : أفرغ علينا صبراً سؤال بأن يصب عليهم الصبر حتى يكون مستعلياً عليهم، ويكون لهم كالظرف وهم كالمظروفين فيه.
﴿ وثبت أقدامنا ﴾ فلا تزل عن مداحض القتال، وهو كناية عن تشجيع قلوبهم وتقويتها، ولما سألوا ما يكون مستعلياً عليهم من الصبر سألوا تثبيت أقدامهم وإرساخها.
﴿ وانصرنا على القوم الكافرين ﴾ أي : أعنا عليهم، وجاؤا بالوصف المقتضي لخذلان أعدائهم، وهو الكفر، وكانوا يعبدون الأصنام، وفي قولهم : ربنا، إقرار لله تعالى بالوحدانية، وقرار له بالعبودية. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٧٧﴾
لطيفة
قال العلامة الآلوسى :
وفي هذا الدعاء من اللطافة وحسن الأسلوب والنكات ما لا يخفى، أما أولاً : فلأن فيه التوسل بوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال،
وأما ثانياً : فلأن فيه الإفراغ، وهو يؤذن بالكثرة، وفيه جعل الصبر بمنزلة الماء المنصب عليهم لثلج صدورهم وإغنائهم عن الماء الذي منعوا عنه،
وأما ثالثاً : فلأن فيه التعبير بعلى المشعر بجعل ذلك كالظرف وجعلهم كالمظروفين،
وأما رابعاً : فلأن فيه تنكير صبراً المفصح عن التفخيم،
وأما خامساً : فلأن في الطلب الثاني وهو تثبيت الأقدام ما يرشح جعل الصبر بمنزلة الماء في الطلب الأول إذ مصاب الماء مزالق فيحتاج فيها إلى التثبت،
وأما سادساً : فلأن فيه حسن الترتيب حيث طلبوا
أولاً : إفراغ الصبر على قلوبهم عند اللقاء


الصفحة التالية
Icon