قال بعضهم آتاه الله الملك والنبوة جزاء على ما فعل من الطاعة العظيمة، وبذل النفس في سبيل الله، مع أنه تعالى كان عالماً بأنه صالح لتحمل أمر النبوة، والنبوة لا يمتنع جعلها جزاء على الطاعات كما قال تعالى :﴿وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين * وءاتيناهم مِنَ الآيات مَا فِيهِ بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ﴾ [ الدخان : ٣٢، ٣٣ ] وقال :﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ] وظاهر هذه الآية يدل أيضاً على ذلك لأنه تعالى لما حكى عن داود أنه قتل جالوت، قال بعده :﴿وآتاه الله الملك والحكمة﴾ والسلطان إذا أنعم على بعض عبيده الذين قاموا بخدمة شاقة، يغلب على الظن أن ذلك الإنعام لأجل تلك الخدمة،
وقال الأكثرون : إن النبوة لا يجوز جعلها جزاء على الأعمال، بل ذلك محض التفضل والإنعام، قال تعالى :﴿الله يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلاً وَمِنَ الناس﴾ [ الحج : ٧٥ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٦٠﴾
قال القرطبى :
﴿ وَآتَاهُ الله الملك والحكمة ﴾ قال السدي : أتاه الله ملك طالوت ونبوّة شمعون.
والذي علّمه هو صنعة الدرُوع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع ما علمه صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عباس : هو أن الله أعطاه سلسلة موصولة بالمجرّة والفلك ورأسها عند صومعة داود ؛ فكان لا يحدث في الهواء حدث إلاَّ صلصلت السلسلة فيعلم داود ما حدث، ولا يمسها ذو عاهة إلاَّ برىء ؛ وكانت علامة دخول قومه في الدِّين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفّهم على صدورهم، وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السَّلام إلى أن رفعت. (١) أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٥٨﴾
(١) لا يخفى ما فى بعض هذا الكلام من غرابة وبعد، وألفاظ الآية لم تشر إليه ألبتة، ولا يترتب على ذكره كثير فائدة. والله أعلم.