والنبوّة بعده من باب الترقي. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٧٨﴾
وقال الفخر :
﴿الحكمة﴾ هي وضع الأمور مواضعها على الصواب والصلاح، وكمال هذا المعنى إنما يحصل بالنبوة، فلا يبعد أن يكون المراد بالحكمة ههنا النبوة، قال تعالى :﴿أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً﴾ [ النساء : ٥٤ ] وقال فيما بعث به نبيه عليه السلام ﴿وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة﴾ [ آل عمران : ١٤٦ ].
فإن قيل : فإذا كان المراد من الحكمة النبوة، فلم قدم الملك على الحكمة ؟ مع أن الملك أدون حالاً من النبوة.
قلنا : لأن الله تعالى بين في هذه الآية كيفية ترقي داود عليه السلام إلى المراتب العالية، وإذا تكلم المتكلم في كيفية الترقي، فكل ما كان أكثر تأخراً في الذكر كان أعلى حالاً وأعظم رتبة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٦٠﴾
قوله تعالى :﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾ ففيه وجوه أحدها : أن المراد به ما ذكره في قوله :﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ﴾ [ الأنبياء : ٨٠ ] وقال :﴿وَأَلَنَّا لَهُ الحديد * أَنِ اعمل سابغات وَقَدّرْ فِى السرد ﴾
[ سبأ : ١٠، ١١ ]
وثانيها : أن المراد كلام الطير والنمل، قال تعالى حكاية عنه :﴿عُلّمْنَا مَنطِقَ الطير﴾ [ النمل : ١٦ ]
وثالثها : أن المراد به ما يتعلق بمصالح الدنيا وضبط الملك، فإنه ما ورث الملك من آبائه، لأنهم ما كانوا ملوكاً بل كانوا رعاة ورابعها : علم الدين، قال تعالى :﴿وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً﴾ [ النساء : ١٦٣ ] وذلك لأنه كان حاكماً بين الناس، فلا بد وأن يعلمه الله تعالى كيفية الحكم والقضاء وخامسها : الألحان الطيبة، ولا يبعد حمل اللفظ على الكل.