اعلم أنه تعالى لما بين أن الفساد الواقع بجالوت وجنوده زال بما كان من طالوت وجنوده، وبما كان من داود من قتل جالوت بين عقيب ذلك جملة تشتمل كل تفصيل في هذا الباب، وهو أنه تعالى يدفع الناس بعضهم ببعض لكي لا تفسد الأرض، فقال :﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض﴾ وههنا مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله﴾ بغير ألف، وكذلك في سورة الحج ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله﴾ [ الحج : ٤٠ ] وقرآ جميعاً ﴿إِنَّ الله يدفع عَنِ الذين ءامَنُواْ﴾ [ الحج : ٣٨ ] بغير ألف ووافقهما عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر اليحصبي على دفع الله بغير ألف إلا أنهم قرؤا ﴿إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين ءامَنُواْ﴾ بالألف، وقرأ نافع ﴿وَلَوْلاَ دفاع الله﴾ و﴿إِنَّ الله يُدَافِعُ﴾ بالألف.
إذا عرفت هذه الروايات فنقول : أما من قرأ :﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله﴾، ﴿إِنَّ الله يدفع﴾ فوجهه ظاهر، وأما من قرأ :﴿وَلَوْلاَ دفاع الله﴾، ﴿إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين ءامَنُواْ﴾ فوجه الإشكال فيه أن المدافعة مفاعلة، وهي عبارة عن كون كل واحد من المدافعين دافعاً لصاحبه ومانعاً له من فعله، وذلك من العبد في حق الله تعالى محال، وجوابه أن لأهل اللغة في لفظ دفاع قولين
أحدهما : أنه مصدر لدفع، تقول : دفعته دفعاً ودفاعاً، كما تقول : كتبته كتباً وكتاباً، قالوا : وفعال كثيراً يجيء مصدراً للثلاثي من فعل وفعل، تقول : جمح جماحاً، وطمح طماحاً، وتقول : لقيته لقاء، وقمت قياماً، وعلى هذا التأويل كان قوله :﴿وَلَوْلاَ دفاع الله﴾ معناه ولولا دفع الله.


الصفحة التالية
Icon