والقول الثاني : قول من جعل دفاع من دافع، فالمعنى أنه سبحانه إنما يكف الظلمة والعصاة عن ظلم المؤمنين على أيدي أنبيائه ورسله وأئمة دينه وكان يقع بين أولئك المحقين وأولئك المبطلين مدافعات ومكافحات، فحسن الإخبار عنه بلفظ المدافعة، كما قال :﴿يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ [ المائدة : ٣٣ ]، ﴿وَشَاقُّواْ الله﴾ [ الأنفال : ١٣ ] وكما قال :﴿قاتلهم الله﴾ [ التوبة : ٣٠ ] ونظائره والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٦١﴾

فصل


قال القرطبى :
اختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد من هم ؟ فقيل : هم الأبْدَال وهم أربعون رجلاً كلما مات واحد بدّل الله آخر، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم ؛ اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية عشر بالعراق.
وروي عن عليّ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" إن الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقي بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الأرض البلاء " ذكره الترمذيّ الحكيم في " نوادر الأُصول".
وخرّج أيضاً عن أبي الدرداء قال : إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض، فلما انقطعت النبوّة أبدل الله مكانهم قوماً من أُمة محمد ﷺ يُقال لهم الأبدال ؛ لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة القلوب لجميع المسلمين والنصيحة لهم ابتغاء مرضاة الله بصبر وحلم ولب وتواضع في غير مَذلّة، فهم خلفاء الأنبياء قوم اصطفاهم الله لنفسه واستخلصهم بعلمه لنفسه، وهم أربعون صِدّيقاً منهم ثلاثون رجلاً على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن، يدفع الله بهم المكاره عن أهل الأرض والبلايا عن الناس، وبهم يُمطَرون ويُرزَقون، لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه.


الصفحة التالية