وأعظم مظاهر هذا الدفاع هو الحروب ؛ فبالحرب الجائرة يطلب المحارب غصب منافع غيره، وبالحرب العادلة ينتصف المحق من المبطل، ولأجلها تتألف العصبيات والدعوات إلى الحق، والإنحاء على الظالمين، وهزم الكافرين.
ثم إن دفاع الناس بعضهم بعضاً يصد المفسد عن محاولة الفساد، ونفس شعور المفسد بتأهب غيره لدفاعه يصده عن اقتحام مفاسد جمة.
ومعنى فساد الأرض : إما فساد الجامعة البشرية كما دل عليه تعليق الدفاع بالناس، أي لفسد أهل الأرض، وإما فساد جميع ما يقبل الفساد فيكون في الآية احتباك، والتقدير : ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض وبقية الموجودات بعضها ببعض لفسدت الأرض أي من على الأرض ولفسد الناس.
والآية مسوقة مساق الامتنان، فلذلك قال تعالى :﴿ لفسدت الأرض ﴾ لأنا لا نحب فساد الأرض، إذ في فسادها بمعنى فساد ما عليها اختلالُ نظامنا وذهاب أسباب سعادتنا، ولذلك عقبه بقوله :﴿ ولكن الله ذو فضل على العالمين ﴾ فهو استدراك مما تضمنته " لولا" من تقدير انتفاء الدفاع ؛ لأن أصل لولا لو مع لا النافية، أي لو كان انتفاءُ الدفاع موجوداً لفسدت الأرض وهذا الاستدراك في هذه الآية أدل دليل على تركيب ( لولا ) من ( لو ) و( لا )، إذ لا يتم الاستدراك على قوله :﴿ لفسدت الأرض ﴾ لأن فساد الأرض غير واقع بعد فرض وجود الدفاع، إن قلنا " لولا" حرف امتناع لوجود.
وعلق الفضل بالعالمين كلهم لأن هذه المنة لا تختص. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٥٠٠ ـ ٥٠٣﴾
فائدة
قال الفخر :
قال القاضي : هذه الآية من أقوى ما يدل على بطلان الجبر، لأنه إذا كان الفساد من خلقه فكيف يصلح أن يقول تعالى :﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض﴾ ويجب أن لا يكون على قولهم لدفاع الناس بعضهم ببعض تأثير في زوال الفساد وذلك لأن على قولهم الفساد إنما لا يقع بسبب أن لا يفعله الله تعالى ولا يخلقه لا لأمر يرجع إلى الناس.