الأول : أن المراد منه بيان أن مراتب الرسل متفاوتة، وذلك لأنه تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يؤت أحداً مثله هذه الفضيلة، وجمع لداود الملك والنبوة ولم يحصل هذا لغيره، وسخر لسليمان الإنس والجن والطير والريح، ولم يكن هذا حاصلاً لأبيه داود عليه السلام، ومحمد عليه السلام مخصوص بأنه مبعوث إلى الجن والإنس وبأن شرعه ناسخ لكل الشرائع، وهذا إن حملنا الدرجات على المناصب والمراتب، أما إذا حملناها على المعجزات ففيه أيضاً وجه، لأن كل واحد من الأنبياء أوتي نوعاً آخر من المعجزة لائقاً بزمانه فمعجزات موسى عليه السلام، وهي قلب العصا حية، واليد البيضاء، وفلق البحر، كان كالشبيه بما كان أهل ذلك العصر متقدمين فيه وهو السحر، ومعجزات عيسى عليه السلام وهي إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، كانت كالشبيه بما كان أهل ذلك العصر متقدمين فيه، وهو الطب، ومعجزة محمد عليه السلام، وهي القرآن كانت من جنس البلاغة والفصاحة والخطب والأشعار، وبالجملة فالمعجزات متفاوتة بالقلة والكثرة، وبالبقاء وعدم البقاء، وبالقوة وعدم القوة،
وفيه وجه ثالث، وهو أن يكون المراد بتفاوت الدرجات ما يتعلق بالدنيا، وهو كثرة الأمة والصحابة وقوة الدولة، فإذا تأملت الوجوه الثلاثة علمت أن محمداً ﷺ كان مستجمعاً للكل فمنصبه أعلى ومعجزاته أبقى وأقوى وقومه أكثر ودولته أعظم وأوفر.
القول الثاني : أن المراد بهذه الآية محمد عليه السلام، لأنه هو المفضل على الكل، وإنما قال :﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ درجات﴾ على سبيل التنبيه والرمز كمن فعل فعلاً عظيماً فيقال له : من فعل هذا فيقول أحدكم أو بعضكم ويريد به نفسه، ويكون ذلك أفخم من التصريح به، وسئل الحطيئة عن أشعر الناس، فذكر زهيراً والنابغة، ثم قال : ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه، ولو قال : ولو شئت لذكرت نفسي لم يبق فيه فخامة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٧١﴾