لطيفة
قال أبو حيان :
ولما كان نبينا محمد ﷺ هو الذي أوتي ما لم يؤته أحد من كثرة المعجزات وعظمها، وكان المشهود له بإحراز قصبات السبق، حف ذكره بذكر هذين الرسولين العظيمين، ليحصل لكل منهما بمجاورة ذكره الشرف، إذ هو بينهما واسطة عقد النبوّة، فينزل منهما منزلة واسطة العقد التي يزدان بها ما جاورها من اللآليء، وتنوع هذا التقسيم ولم يرد على أسلوب واحد، فجاءت الجملة الأولى من مبتدأ وخبر مصدرة بمن الدالة على التقسيم، وجاءت الثانية فعلية مسندة لضمير اسم الله، لا لفظه، لقربه، إذ لو أسند إلى الظاهر لكان منهم من كلم الله، ورفع الله، فكان يقرب التكرار، فكان الإضمار أحسن.
وفي الجملتين : المفضل منهم لا معين بالاسم، لكن يعين الأول صلة الموصول، لأنها معلومة عند السامع، ويعين الثاني ما أخبر به عنه، وهو أنه مرفوع على غيره من الرسل بدرجات، وهذه الرتبة ليست إلاَّ لمحمد ﷺ، وجاءت الثانية فعلية مسندة لضمير المتكلم على سبيل الالتفات، إذ قبله غائب، وكل هذا يدل على التوسع في أفانين البلاغة وأساليب الفصاحة. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٨٣﴾
قال ابن عاشور :
وقوله :﴿ ورفع بعضهم درجات ﴾ يتعيّن أن يكون المراد من البعض هنا واحداً من الرسل معيّناً لا طائفة، وتكون الدرجات مراتبَ من الفضيلة ثابتة لذلك الواحد : لأنّه لو كان المراد من البعض جماعة من الرسل مُجملاً، ومن الدرجات درجات بينهم لصار الكلام تكراراً مع قوله فضّلنا بعضهم على بعض، ولأنّه لو أريد بعضٌ فُضِّل على بعض لقال، ورفع بعضهم فوق بعض درجات كما قال في الآية الأخرى :﴿ ورفع بعضكم فوق بعض درجات ﴾ [ الأنعام : ١٦٥ ].