وقد ثبت أنّ محمداً ﷺ أفضل الرّسل لما تظاهر من آيات تفضيله وتفضيل الدين الذي جاء به وتفضيل الكتاب الذي أنزل عليه.
وهي متقارنة الدلالة تنصيصاً وظهوراً.
إلاّ أنّ كثرتها تحصل اليقين بمجموع معانيها عملاً بقاعدة كثرة الظواهر تفيد القطع.
وأعظمها آية ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لَمَا آتيناكم من كتاب وحكمةٍ ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمنُنّ به ولتنصُرنَّه ﴾ [ آل عمران : ٨١ ] الآية.
وأما قول النبي ﷺ " لا يقولَنّ أحَدُكُم أنا خير من يونس بن مَتَّى " يعني بقوله :" أنا " نفسه على أرجح الاحتمالين، وقوله :" لا تُفَضِّلوني على مُوسَى " فذلك صدر قبل أن يُنبئَه اللَّهُ بأنّه أفضل الخلق عنده.
وهذه الدرجات كثيرة عرَفْنَا منها : عمومَ الرسالة لكافة الناس، ودوامَها طُولَ الدهر، وختمها للرسالات، والتأييد بالمعجزة العظيمة التي لا تلتبس بالسحر والشعْوذة، وبدوام تلك المعجزة، وإمكان أن يشاهدها كل من يؤهّل نفسه لإدراك الإعجاز، وبابتناء شريعته على رعي المصالح ودرء المفاسد والبلوغ بالنفوس إلى أوج الكمال، وبتيسير إدانة معانديه له، وتمليكه أرضهم وديارَهم وأموالَهم في زمن قصير، وبجعل نقل معجزته متواتراً لا يجهلها إلاّ مُكابر، وبمشاهدة أمته لقبره الشريف، وإمكان اقترابهم منه وائتناسهم به صلى الله عليه وسلم
وقد عطف ما دل على نبيئنا على ما دل على موسى عليهما السلام لشدة الشبه بين شريعَتَيْهما، لأنّ شريعة موسى عليه السلام أوسع الشرائع، ممّا قبلها، بخلاف شريعة عيسى عليه السلام. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٦ ـ ٨﴾
وقال القرطبى :
وهذه آية مشكلة والأحاديث ثابتة بأن النبيّ ﷺ قال :" لا تخيِّروا بين الأنبياء " و" لا تفضِّلوا بين أنبياء الله " رواها الأئمّة الثقات، أي لا تقولوا : فلان خير من فلان، ولا فلان أفضل من فلان.


الصفحة التالية