يُقال : خيّر فلان بين فلان وفلان، وفضّل ( مشدداً ) إذا قال ذلك : وقد اختلف العلماء في تأويل هذا المعنى ؛ فقال قوم : إن هذا كان قبل أن يُوحى إليه بالتفضيل، وقبل أن يعلم أنه سيِّد ولد آدم، وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل.
وقال ابن قتيبة : إنما أراد بقوله :" أنا سيد ولد آدم " يوم القيامة ؛ لأنه الشافع يومئذ وله لواء الحمد والحوض، وأراد بقوله :" لا تخيِّروني على موسى " على طريق التواضع ؛ كما قال أبو بكر : وليتكم ولست بخيركم.
وكذلك معنى قوله :" لا يقل أحد أنا خير من يونس بن متى " على معنى التواضع.
وفي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت ﴾ [ القلم : ٤٨ ] ما يدل على أن رسول الله ﷺ أفضل منه ؛ لأن الله تعالى يقول : ولا تكن مثله ؛ فدلّ على أن قوله :" لا تفضِّلوني عليه" من طريق التواضع.
ويجوز أن يريد لا تفضلوني عليه في العمل فلعله أفضل عملاً منِّي، ولا في البَلْوى والامتحان فإنه أعظم محنة منِّي.
وليس ما أعطاه الله لنبينا محمدٍ ﷺ من السُّودَد والفضل يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل بعمله بل بتفضيل الله إياه واختصاصه له، وهذا التأويل اختاره المهلّب.
ومنهم من قال : إنما نهى عن الخوض في ذلك، لأن الخوض في ذلك ذرِيعة إلى الجدال وذلك يؤدّي إلى أن يذكر منهم ما لا ينبغي أن يذكر ويَقِلّ احترامهم عند المُماراة.
قال شيخنا : فلا يُقال : النبيّ أفضل من الأنبياء كلهم ولا من فلان ولا خَيْرٌ، كما هو ظاهر النهي لما يتوهم من النقص في المفضول ؛ لأن النهي اقتضى منع إطلاق اللفظ لا منع اعتقاد ذلك المعنى ؛ فإن الله تعالى أخبر بأن الرسُل متفاضلون، فلا تقول : نبينا خير من الأنبياء ولا من فلان النبيّ اجتناباً لما نُهي عنه وتأدّباً به وعملاً باعتقاد ما تضمنه القرآن من التفضيل، والله بحقائق الأُمور عليم.


الصفحة التالية
Icon