قلت : وأحسن من هذا قول من قال : إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوّة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما النبوّة في نفسها فلا تتفاضل وإنما تتفاضل بأُمور أُخَر زائدةٍ عليها ؛ ولذلك منهم رُسُل وأولوا عَزْم، ومنهم مَن أُتّخِذ خليلاً، ومنهم مَن كلّم الله ورفع بعضهم درجات، قال الله تعالى :﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ﴾ [ الإسراء : ٥٥ ] وقال :﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ ﴾.
قلت : وهذا قول حسن، فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ، والقول بتفضيل بعضهم على بعض إنما هو بما مُنِح من الفضائل وأعطَي من الوسائل، وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال : إن الله فضل محمّداً على الأنبياء وعلى أهل السماء، فقالوا : بِم يا ابن عباس فضله على أهل السماء ؟ فقال : إن الله تعالى قال :﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظالمين ﴾ [ الأنبياء : ٢٩ ].
وقال لمحمد ﷺ :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ١، ٢ ].
قالوا : فما فضله على الأنبياء ؟ قال قال الله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [ إبراهيم : ٤ ] وقال الله عزّ وجلّ لمحمّد ﷺ :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] فأرسله إلى الجن والإنس " ذكره أبو محمد الدارميّ في مسنده".