وَإِنْ كَانَ غَالِيًا فِيمَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ مَذْهَبٍ أَوْ طَرِيقَةٍ - وَكَانَ ذَلِكَ مَدْعَاةَ التَّخَاصُمِ وَسَبَبَ التَّنَازُعِ وَالتَّقَاتُلِ. اخْتَلَفَ الْيَهُودُ فِي دِينِهِمْ فَاقْتَتَلُوا، وَأَمَّا النَّصَارَى فَلَمْ تَخْتَلِفْ أُمَّةٌ اخْتِلَافَهُمْ، وَلَمْ يَقْتَتِلْ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ فِي دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ اقْتِتَالَهُمْ، بَلْ كَانَ الْمَذْهَبُ الْوَاحِدُ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ يَتَشَعَّبُ إِلَى شُعَبٍ يُقَاتِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَحْذَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَشَدَّ الْحَذَرِ لِكَثْرَةِ مَا نَهَاهُمُ اللهُ عَنِ الِاخْتِلَافِ وَأَنْذَرَهُمُ الْعَذَابَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدِ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ - تَعَالَى -
بِالِاتِّحَادِ وَالِاعْتِصَامِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ فِي عَصْرِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الزَّمَنِ بَعْدَهُ، فَكَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ ذَهَبُوا فِي الدِّينِ مَذَاهِبَ، وَفَرَّقُوا دِينَهُمْ فَكَانُوا فِي شَرِيعَتِهِ مَشَارِبَ، فَاقْتَتَلُوا فِي الدِّينِ قَلِيلًا وَفِي السِّيَاسَةِ الَّتِي صَبَغُوهَا بِصِبْغَةِ الدِّينِ كَثِيرًا، وَقَدْ تَمَادَوْا فِي هَذَا الشِّقَاقِ وَالِاخْتِلَافِ فَانْتَهَوْا إِلَى زَمَنٍ صَارُوا فِيهِ أَبْعَدَ الْأُمَمِ عَنِ الِاتِّفَاقِ وَالِائْتِلَافِ.