اقسم الشيطان لله بعزته سبحانه عن خلقه، وكأنه قال : أنت يا رب لو كنت تحتاج عباد فأنا لا أستطيع أن أخذهم، لكن لأنك عزيز عليهم، إن أرادوا أن يؤمنوا آمنوا، وإن أرادوا ألا يؤمنوا لم يؤمنوا ؛ فهذا هو المدخل الذي سأدخل منه. ولذلك استثني الشيطان بعضا من العباد لأنه لن يستطيع أن يجد لوسوسته لديهم مدخلا :
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)
سورة ص
أي إن الذي يريد الله أن يستخلصه لنفسه فلن يستطيع الشيطان أن يقترب منه. إذن فإبليس ليس داخلا في معركة مع الله تعالى، ولكنه في معركة معنا نحن. ولقد أوضح الحق ذلك حين جاء على لسان إبليس في القرآن :
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)
(سورة ص)
إذن لو أراد الله أن نكون طائعين جميعا، أيستطيع واحد أن يعصي ؟ لا يستطيع. ولو أرادنا مؤمنين جميعا، أيستطيع واحد أن يكفر ؟ لا يستطيع. إنما شاء الله تعالى لبعض الأمور والأفعال أن يتركها لاختيارك ؛ لأنه يريد أن يعرف من الذي يأتيه طوعا وليظل العبد بين الخوف والرجاء ؛ ولذلك يقول الرسول ﷺ :(لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد)رواه مسلم بسنده عن ابى هريرة. ولهذا فإن مطلوب الارتفاع الإيماني، والارتفاع اليقيني أن تحب الله لذات الله. وهو سبحانه يجري عليك من الأحداث ما يشاء، وظل تحبه فيباهي الله بك الملائكة فتقول الملائكة : يا رب يحبك لنعمتك عليه فيقول لهم : وأسلب نعمتي ولا يزال يحبني، ويسلب الحق النعمة لكن العبد لا يزال يحب الله، فهو يحب الله ولا يحب نعمته لأنه سبحانه ذات تحب لذاتها بصرف النظر عن أنه يعطينا النعم.


الصفحة التالية
Icon