إذن الحق سبحانه وتعالى قد أرسل الرسل يحملون منهج الله لمن يريد أن يعلن حبه لله، وأن يكون خليفة في الأرض بحق، وأن يصلح في الكون ولا يفسده. ونعرف أن الإصلاح له مرتبتان : أن تترك الصالح بطبيعته فلا تفسده، أو أن تزيد الصالح صلاحا. فلا تأتي على عين الماء التي تتدفق للناس وتردمها، ولكنك تتركها على صلاحها إن لم تستطع أن تزيدها إصلاحا. وقد تستطيع أن تزيد عين الماء صلاحا ؛ فبدلا من أن يذهب الناس متعبين إلى العين ويحملون منها الماء، قد تصنع لهم مضخة عالية لها خزان ترفع إليه الماء وتمد " المواسير" وتوصل المياه إلى منازلهم. فأنت بذلك تزيد الأمر الصالح صلاحا، وهذه خلافة وعمارة في الوجود. فإن لم تستطع أن تزيد الصالح صلاحا فجنبنا شر إفسادك، ودع الحال كما هي عليه، واقعد كما أنت عالة في الكون.
ولو أن الإنسان كان منصفا في الكون لسأل نفسه : من الذي اهتدى إلى صناعة الرغيف الذي تأكله الآن ؟ وسيعرف أنه قد أخذ تجارب الناس من أول آدم حتى وصل إلى صناعة هذا الرغيف، فهناك إنسان زرع القمح، وهناك إنسان آخر هداه الله أن يطحن هذا القمح، وهو سبحانه هدى الإنسان أن يصنع منخلا ليفصل الدقيق عن النخالة، ثم هداه أن يعجن الدقيق حتى يجد له طعما افضل. ولاشك أنه ترك مرة قطعة من العجين ثم شغل عنها بأي شاغل أو بأي سبب ثم رجع لها مرة أخرى فوجدها متخمرة، فلما خبزها خرج له العيش افضل طعما، إنه سبحانه قدر فهدى، وإلا كيف تأتي هذه التجربة الطويلة ؟


الصفحة التالية
Icon