وأما المعتزلة فقد أجابوا عن الاستدلال، وقالوا : المقصود من الآية بيان أن الكفار إذا قتلوا فليس ذلك بغلبة منهم لله تعالى وهذا المقصود يحصل بأن يقال : إنه تعالى لو شاء لأهلكهم وأبادهم أو يقال : لو شاء لسلب القوى والقدر منهم أو يقال : لو شاء لمنعهم من القتال جبراً وقسراً وإذا كان كذلك فقوله :﴿وَلَوْ شَاء الله﴾ المراد منه هذه الأنواع من المشيئة، وهذا كما يقال : لو شاء الإمام لم يعبد المجوس النار في مملكته، ولم تشرب النصارى الخمر، والمراد منه المشيئة التي ذكرناها، وكذا ههنا، ثم أكد القاضي هذه الأجوبة وقال : إذا كانت المشيئة تقع على وجوه وتنتفي على وجوه لم يكن في الظاهر دلالة على الوجه المخصوص، لا سيما وهذه الأنواع من المشيئة متباينة متنافية.
والجواب : أن أنواع المشيئة وإن اختلفت وتباينت إلا أنها مشتركة في عموم كونها مشيئة، والمذكور في الآية في معرض الشرط هو المشيئة من حيث إنها مشيئة، لا من حيث إنها مشيئة خاصة، فوجب أن يكون هذا المسمى حاصلاً، وتخصيص المشيئة بمشيئة خاصة، وهي إما مشيئة الهلاك، أو مشيئة سلب القوى والقدر، أو مشيئة القهر والإجبار، تقييد للمطلق وهو غير جائز، وكما أن هذا التخصيص على خلاف ظاهر اللفظ فهو على خلاف الدليل القاطع، وذلك لأن الله تعالى إذا كان عالماً بوقوع الاقتتال، والعلم بوقوع الاقتتال حال عدم وقوع الاقتتال جمع بين النفي والإثبات، وبين السلب والإيجاب، فحال حصول العلم بوجود الاقتتال لو أراد عدم الاقتتال لكان قد أراد الجمع بين النفي والإثبات وذلك محال، فثبت أن ظاهر الآية على ضد قولهم، والبرهان القاطع على ضد قولهم وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon