لباب التأويل، ج ١، ص : ١٠
. ثم إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ. ثم الروم. ثم العنكبوت، واختلفوا في آخر ما نزل بمكة فقال ابن عباس العنكبوت وقال الضحاك وعطاء المؤمنين، وقال مجاهد : ويل للمطففين، فهذا ترتيب ما نزل من القرآن بمكة فذلك ثلاث وثمانون سورة على ما استقرت عليه روايات الثقات. وأمّا ما نزل بالمدينة فإحدى وثلاثون سورة، فأول ما نزل بها سورة البقرة. ثم الأنفال. ثم آل عمران. ثم الأحزاب. ثم الممتحنة. ثم النساء. ثم إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ. ثم الحديد. ثم سورة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. ثم الرعد. ثم سورة الرحمن. ثم هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ. ثم الطلاق. ثم لَمْ يَكُنِ ثم الحشر. ثم الفلق. ثم الناس. ثم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ثم النور. ثم الحج. ثم إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ثم المجادلة. ثم الحجرات. ثم التحريم. ثم الصف. ثم الجمعة. ثم التغابن. ثم الفتح.
ثم التوبة. ثم المائدة. ومنهم من يقدم المائدة على التوبة فهذا ترتيب ما نزل من القرآن بالمدينة واختلفوا في الشورى فقيل نزلت بمكة وقيل نزلت بالمدينة، وسنذكر ذلك في مواضعه إن شاء اللّه تعالى.
فصل في كون القرآن نزل على سبعة أحرف وما قيل في ذلك :
(ق) عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فكدت أساوره في الصلاة فتربصت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها قال : أقرأنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت : كذبت فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت يا رسول اللّه إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أرسله، اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعه يقرؤها فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«هكذا أنزلت» ثم قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :
«اقرأ يا عمر» فقرأت بقراءتي التي أقرأني فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«هكذا أنزلت» ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه».
(قوله فكدت أساوره في الصلاة) أي أو أثبه وأقاتله وهو في الصلاة والتربص التثبت.
(قوله فلببته بردائه) هو بتشديد الباء الأولى ومعناه أخذت بمجامع ردائه في عنقه وجذبته به مأخوذ من اللبة وفيه بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن والذب عنه والمحافظة على لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما تجوزه العربية، وأما أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عمر بإرساله فلأنه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره، ولأن عمر إنما نسبة إلى مخالفته في القراءة والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان يعلم من جواز القراءة ووجوهها ما لا يعلمه عمر، ولأنه إذا قرأ وهو ملبب لا يتمكن من حضور القلب وتحقيق القراءة تمكن المطلق.
(قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) قال العلماء : سبب إنزاله على سبعة أحرف التخفيف والتسهيل، واختلفوا في المراد بسبعة أحرف فقيل : هو توسعه وتسهيل ولم يقصد به الحصر وقال الأكثرون : هو حصر العدد في سبعة أحرف ثم قيل هي في سبع من المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي، وقيل : هي في صورة التلاوة وكيفية النطق بكلمات القرآن من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق ومد وقصر وإمالة لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر اللّه تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه.
وقال أبو عبيدة هي سبع لغات من لغات العرب تميمها ومعدها وهي أفصح لغات العرب وأعلاها، وقيل :
هي لغة قريش وهوازن وهذيل وأهل اليمن، وقيل : السبعة كلها لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن العزيز غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل : بل هي مجتمعة في بعض الكلمات كقوله تعالى وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ويَرْتَعْ