لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٧٧
اتقوا اللّه ما استطعتم مفسرا لحق تقاته لا ناسخا ولا مخصصا فمن اتقى اللّه ما استطاع فقد اتقاه حق تقواه وقيل معنى حق تقاته كما يجب أن يتقي وذلك بأن يجتنب جميع معاصيه، وقيل في معنى قول ابن عباس هو أن يطاع فلا يعصى هذا صحيح والذي يصدر من العبد على سبيل السهو والنسيان غير قادح فيه لأن التكليف في تلك الحال مرفوع عنه وكذلك قوله : وأن يشكر فلا يكفر فواجب على العبد حضور ما أنعم اللّه به عليه بالبال، وأما عند السهو فلا يجب عليه. وكذلك قوله وأن يذكر فلا ينسى فإن هذا إنما يجب عند الدعاء والعبادة لا عند السهو والنسيان.
وقوله تعالى : وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لفظ النهي واقع على الموت والمعنى واقع على الأمر بالإقامة على الإسلام، والمعنى كونوا على الإسلام فإذا ورد عليكم الموت صادفكم على ذلك. وقيل هذا في الحقيقة نهي عن ترك الإسلام المعنى لا تتركوا الإسلام فإن الموت لا بد منه فمتى جاءكم صادفكم وأنتم على الإسلام لأنه لما كان يمكنكم الثبات على الإسلام حتى إذا أتاهم الموت أتاهم وهم على الإسلام صار الموت على الإسلام بمنزلة ما قد دخل في إمكانهم، وقيل معناه ولا تموتن إلّا وأنتم مسلمون مخلصون مفوضون إلى اللّه أموركم تحسنون الظن به عزّ وجلّ. عن ابن عباس :«أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ هذه الآية : اتقوا اللّه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فقال : لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن تكون طعامه» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. قوله عز وجل :
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٣]
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً أي تمسكوا بحبل اللّه والحبل هو السبب الذي يتوصل به إلى البغية وسمي الإيمان حبلا لأنه سبب يتوصل به إلى زوال الخوف وقيل حبل اللّه هو السبب الذي به يتوصل إليه فعلى هذا اختلفوا في معنى الآية فقال ابن عباس : معناه تمسكوا بدين اللّه لأنه سبب يوصل إليه، وقيل حبل اللّه هو القرآن لأنه أيضا سبب يوصل إليه. وفي أفراد مسلم من حديث زيد بن أرقم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب اللّه هو حبل اللّه من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة» الحديث عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن هذا القرآن هو حبل اللّه المتين وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به» وذكره البغوي بغير سند وقال ابن مسعود : هو الجماعة وقال عليكم بالجماعة فإنها حبل اللّه الذي أمر به وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة وقيل بحبل اللّه يعني بأمر اللّه وطاعته وَلا تَفَرَّقُوا يعني كما تفرقت اليهود والنصارى وقيل ولا تفرقوا يعني كما كنتم متفرقين في الجاهلية متدابرين يعادي بعضكم بعضا ويقتل بعضكم بعضا. قيل معناه لا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع والألفة التي أنتم عليها ففيه النهي عن التفرق والاختلاف والأمر بالاتفاق والاجتماع لأن الحق لا يكون إلا واحدا وما عداه يكون جهلا وضلالا وإذا كان كذلك وجب النهي عن الاختلاف في الدين وعن الفرقة لأن كل ذلك كان عادة أهل الجاهلية فنهوا عنه وروى البغوي بسنده عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن اللّه يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعا، وأن تناصحوا من ولى اللّه أمركم، ويسخط لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال».
قوله تعالى : وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً قال