لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٩١
القوم حتى دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منزله ولبس لأمته فلما رأوه قد لبس السلاح ندموا وقال بئس ما صنعنا نشير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والوحي يأتيه فقاموا واعتذروا إليه وقالوا : يا رسول اللّه اصنع ما شئت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل وكان قد قام المشركون بأحد يوم الأربعاء والخميس وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الجمعة بعد ما صلى بأصحابه الجمعة، وكان قد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار فصلى عليه ثم خرج عليهم فأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة. وقيل كان نزوله في جانب الوادي وجعل ظهره وأصحابه إلى أحد وأمر عبد اللّه بن جبير على الرماة. وقال ادفعوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من ورائنا وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اثبتوا في هذا المقام فإذا عاينوكم ولوا الأدبار فلا تطلبوا المدبرين ولا تخرجوا من هذا المقام ولما خالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى عبد اللّه بن أبي ابن سلول شق عليه ذلك وقال لأصحابه أطاع الولدان وعصاني ثم قال لأصحابه إن محمدا إنما يظفر بعدوه بكم وقد وعد أصحابه أن أعداءهم إذا عاينوهم انهزموا فإذا رأيتم أعداءهم فانهزموا أنتم فيتبعونكم فيصير الأمر إلى خلاف ما قاله محمد لأصحابه فلما التقى الجمعان وكان عسكر المسلمين ألفا وكان المشركون ثلاثة آلاف انخذل عبد اللّه بن أبي ابن سلول بثلاثمائة من أصحابه من المنافقين وبقي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو سبعمائة من أصحابه فقواهم اللّه تعالى وثبتهم حتى هزموا المشركين.
فلما رأى المؤمنون انهزام المشركين طمعوا في أن تكون هذه الواقعة كوقعة بدر فطلبوا المدبرين وخالفوا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأراد اللّه أن يقطعهم عن هذا الفعل لئلا يقدموا على مثله من مخالفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وليعلموا أن ظفرهم يوم بدر إنما كان ببركة طاعة اللّه وطاعة رسوله. ثم إن اللّه تعالى نزع الرعب من
قلوب المشركين فكروا راجعين على المسلمين فانهزم المسلمون وبقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في جماعة من أصحابه منهم أبو بكر وعلي والعباس وطلحة وسعد وكسرت رباعية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وشج وجهه يومئذ وكان من أمر غزو أحد ما كان فذلك قوله تعالى : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ أي واذكر إذ غدوت من أهلك يعني منزل عائشة ففيه منقبة عظيمة لعائشة رضي اللّه عنها لقوله من أهلك فنص اللّه تعالى على أنها من أهله تبوئ المؤمنين أي تنزل المؤمنين مقاعد للقتال أي مواضع ومواطن للقتال. وقيل تتخذ عسكرا للقتال وَاللَّهُ سَمِيعٌ يعني لأقوالكم عَلِيمٌ يعني بنياتكم وضمائركم. قوله عز وجل :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٥]
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥)
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا أي تجبنا وتضعفا عن القتال والطائفتان بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس كان جناحي العسكر وذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج إلى أحد مع ألف رجل، وقيل في تسعمائة وخمسين رجلا وكان المشركون ثلاثة آلاف رجل فلما بلغوا الشوط انخذل عبد اللّه بن أبي بثلث الناس ورجع في ثلاثمائة وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعه أبو جابر السلمي وقال أنشدكم اللّه في نبيكم وأنفسكم فقال عبد اللّه بن أبي لو نعلم قتالا لاتبعناكم وهمّت الطائفتان بالانصراف مع عبد اللّه بن أبي فعصمهم اللّه فثبتوا ومضوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ابن عباس : أضمروا أن يرجعوا فعزم اللّه لهم على الرشد فثبتوا فذكرهم اللّه عظيم نعمته عليهم فقال : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما أي ناصرهما وحافظهما ومتولي أمرهما بالتوفيق والعصمة. فإن قلت الهم العزم على فعل الشيء والآية تدل على أن الطائفتين قد عزمتا على الفشل وترك القتال