لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٦٧
بالعدوان والظلم لأنه قد يكون القتل بحق، وهو القصاص وكذلك قد يكون أخذ المال بحق فلهذا السبب قيده بالوعيد وما كان على وجه العدوان والظلم وهو قوله تعالى : فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً أي ندخله في الآخرة نارا يصلى فيها وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي هينا لأنه تعالى قادرا على ما يريد. قوله عز وجل : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ اجتناب الشيء المباعدة عنه وتركه جانبا والكبيرة ما كبر وعظم من الذنوب وعظمت عقوبته وقبل ذكر التفسير نذكر الأحاديث الواردة في الكبائر فمن ذلك ما روي عن أبي بكرة قال كنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال :
«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قلنا بلى يا رسول اللّه قال : الإشراك باللّه وعقوق الوالدين ألا وشهادة الزور وقول الزور وكان متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» أخرجاه في الصحيحين (ق) عن أنس بن مالك قال :«ذكر لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الكبائر فقال : الشرك باللّه وعقوق الوالدين وقتل النفس وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو قال شهادة الزور» (ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«اجتنبوا السبع الموبقات» قيل يا رسول اللّه وما هن؟ قال :«الشرك باللّه والسحر وقتل النفس التي حرم اللّه إلّا بالحق وأكل مال اليتيم والزنى والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» (خ) عن ابن مسعود قال : سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي الذنب أعظم عند اللّه؟ قال :«أن تجعل للّه ندا وهو خلقك قلت إن ذلك لعظيم ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت ثم أي قال تزاني بحيلة جارك» (ق) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«الكبائر :
الإشراك باللّه وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس» وفي رواية أن أعرابيا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه ما الكبائر؟ قال :«الإشراك باللّه قال ثم ماذا قال اليمين الغموس قلت وما اليمين الغموس قال الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها كاذب» (ق) عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : وهل يشتم الرجل والديه؟ قال نعم : يسب الرجل أبا الرجل أو أمه : فيسب أباه أو أمه» وفي رواية من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه وذكر الحديث. وقال عبد اللّه بن مسعود : أكبر الكبائر الإشراك باللّه والأمن من مكر اللّه والقنوط من رحمة اللّه واليأس من روح اللّه وعند سعيد بن جبير أن رجلا سأل ابن عباس عن الكبائر أسبع هي قال هي إلى السبعمائة أقرب وفي رواية إلى السبعين أقرب إلا أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار وقال كل شيء عصي اللّه به فهو كبيرة فمن عمل شيئا منها فليستغفر اللّه فإن اللّه لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا من كان راجعا عن الإسلام أو جاحدا فريضة أو مكذبا بقدر وقال علي بن أبي طالب : كل ذنب ختمه اللّه بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب فهو كبيرة.
وقال سفيان الثوري : الكبائر ما كان فيه المظالم فيما بينك وبين العباد والصغائر ما كان بينك وبين اللّه تعالى لأن اللّه تعالى كريم يغفر ويعفو واحتج لذلك بما روي عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة يا أمة محمد إن اللّه قد عفا عنكم جميعا المؤمنين والمؤمنات تواهبوا المظالم وأدخلوا الجنة برحمتي» وقال مالك بن مغول : الكبائر ذنوب أهل البدع والسيئات ذنوب أهل السنة، وقيل الكبائر ذنوب العمد والسيئات الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وحديث النفس المرفوع عن هذه الأمة وقال السّدي : الكبائر ما نهى اللّه عنه من الذنوب والسيئات مقدماتها وتوابعها للتي يقع فيها الصالح والفاسق مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباه ذلك (ق) عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطأ والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه لفظ مسلم، وقيل الكبائر الشرك وما يؤدي إليه وما دونه فهو من السيئات فقد ثبت بما تقدم من الأدلة أن من الذنوب كبائر وصغائر إلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف. وثبت بدلائل الكتاب والسنة وإذا ثبت انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر فقوله تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه هي كل ذنب عظم قبحه وعظمت عقوبته إما في الدنيا بالحدود وإما في الآخرة بالعذاب عليه نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني نسترها عليكم حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل لأن أصل