لباب التأويل، ج ١، ص : ٧
تفصيا أي خروجا من صدور الرجال وفي معناه تفلتا من الإبل في عقلها أي تخلصا من العقال وهو الحبل الذي تربط به، عن سعد بن عبادة رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلّا لقي اللّه يوم القيامة أجذم». أخرجه أبو داود الأجذم. قيل هو مقطوع اليد، وقيل هو مقطوع الحجة وقيل هو الذي به جذام. عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت على ذنوب أمتي فلم أر فيها ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها» أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث غريب (ق) عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن ينال بسوء».
أراد بالقرآن المصحف فلا يجوز حمله إلى أرض العدو وهي بلاد الكفار للنهي الوارد فيه ولو كتب كتابا إليهم فيه آية من القرآن فلا بأس بذلك لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كتب إلى هرقل ملك الروم : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ.
عن عمران بن حصين أنه مر على رجل يقرأ ثم سأل فاسترجع ثم قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«من قرأ القرآن فليسأل اللّه به، فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس» أخرجه الترمذي عن صهيب قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«ما آمن بالقرآن من استحل محارمه» أخرجه الترمذي وقال ليس إسناده بالقوي. عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة» أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب.
الفصل الثالث في جمع القرآن وترتيب نزوله وفي كونه نزل على سبعة أحرف :
(خ) عن زيد بن ثابت قال : بعث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر إن عمر جاءني فقال : إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في كل المواطن فيذهب من القرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قال قلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال عمر : هو واللّه خير، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح اللّه صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد : فقال لي أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتتبع القرآن فاجمعه قال زيد : فو اللّه لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال أبو بكر هو واللّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح اللّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر، وفي رواية فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأيا.
قال : فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة أو مع أبي خزيمة الأنصاري، فلم أجدها مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر براءة فألحقتها في سورتها.
قال : فكانت الصحف عند أبي بكر حياته حتى توفاه اللّه، ثم عند عمر حياته حتى توفاه اللّه، ثم عند حفصة بنت عمر.
قال بعض الرواة : اللخاف يعني الخزف (خ) عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن