لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٤٠
الأب والمستودع رحم الأم. ووجه هذا القول، أن النطفة حصلت في صلب الأب قبل رحم الأم فوجب حمل المستقر على الصلب والمستودع على الرحم. وقال ابن مسعود : المستقر في الرحم إلى أن يولد والمستودع في القبر إلى أن يبعث وقال مجاهد : المستقر على ظهر الأرض في الدنيا لقوله : وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ والمستودع عند اللّه في الآخرة. وقال الحسن : المستقر في القبر والمستودع في الدنيا وكان يقول يا ابن آدم أنت مستودع في أهلك إلى أن تلحق بصاحبك يعني القبر وقيل المستودع في القبر والمستقر إما في الجنة والنار، لأن المقام فيهما يقتضي الخلود والتأبيد قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ قد بيّنا الدلائل الدالة على التوحيد بالبراهين الواضحة والحجج القاطعة لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ يعني لقوم يفهمون عن اللّه آياته ودلائله الدالة على توحيده لأن الفقه هو الفهم. قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٩]
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر وقيل إن اللّه ينزل المطر من السماء إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض فَأَخْرَجْنا بِهِ يعني بالماء الذي أنزلنا من السماء نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ يعني كل شيء ينبت وينمو من جميع أصناف النبات، وقيل معناه أخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء غذاء كل شيء من : الأنعام والبهائم والطير والوحش وأرزاق بني آدم وأقواتهم مما يتغذون به فينبتون عليه وينمون فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً يريد أخضر مثل عور وأعور. والأخضر هو جميع الزروع والبقول الرطبة نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً يعني : يخرج من ذلك الأخضر سنابل فيها الحب يركب بعضها فوق بعض مثل : سنبل القمح والشعير والأرز والذرة وسائر الحبوب وفي تقديم الزرع على النخل دليل على الأفضلية ولأن حاجة الناس إليه أكثر لأنه القوت المألوف وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ يعني من ثمرها. يقال : أطلعت النخلة إذا أخرجت طلعها وطلعها كفراها قبل أن ينشق عن الإغريض. والإغريض : يسمى طلعا أيضا وهو ما يكون في قلب الطلع والطلع أول ما يبدو ويخرج من ثمر النخل كالكيزان يكون فيه العذق فإذا شق عنه كيزانه سمي عذقا وهو القنو وجمعه قنوان مثل : صنو وصنون.
دانية أي قريبة التناول ينالها القائم والقاعد وقال مجاهد : متدلية. وقال الضحاك : قصار ملتصقة بالأرض وفيه اختصار وحذف تقديره ومن النخل ما قنوانها دانية قريبة ومنها ما هي بعيدة عالية فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لشدة الاهتمام بها ولأنها أسهل تناولا من البعيدة لأن البعيدة تحتاج إلى كلفة وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ يعني وأخرجنا ممن اليهود وقرئ دارست بالألف بمعنى قارأت أهل الكتاب من المدارسة التي هي بين اثنين يعني يقولون قرأت على أهل الكتاب وقرءوا عليك وقرئ درست بفتح الدال والراء والسين وسكون التاء ومعناه أن هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة فدرست وانمحت من قولهم فرس الأثر إذا محي وذهب أثره وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يعني القرآن وقيل : معناه نصرف الآيات لقوم يعلمون. قال ابن عباس : يريد أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد وقيل : معنى الآية وكذلك نصرف الآيات ليسعد بها قوم ويشفى بها آخرون فمن أعرض عنها وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : درست أو درست فهو شقي ومن تبين له الحق وفهم معناها وعمل بها فهو سعيد وقال أبو إسحاق : إن السبب الذي أداهم إلى أن قالوا درست هو تلاوة الآيات عليهم وهذه اللام تسميها أهل اللغة لام الصيرورة يعني صار عاقبة أمرهم أن قالوا دارست فصار ذلك سببا لشقاوتهم وفي هذا دليل على أن اللّه تعالى جعل تصريف الآيات سببا لضلالة قوم وشقاوتهم وسعادة قوم وهدايتهم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٦ الى ١٠٨]
اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨)
قوله تعالى : اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم يعني اتبع يا محمد ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك وهو القرآن فاعمل به وبلغه إلى البادي ولا تلتفت إلى قول من يقول : دارست أو درست. وفي قوله اتبع ما أوحي إليك من ربك تعزية لقلب النبي صلى اللّه عليه وسلم وإزالة الحزن الذي حصل له بسبب قولهم درست ونبه بقوله


الصفحة التالية
Icon