لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٤٥
تعالى : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أنه سبحانه وتعالى واحد فرد صمد لا شريك له وإذا كان كذلك فإنه تجب طاعته ولا يجوز تركها بسبب جهل الجاهلين وزيغ الزائغين وقوله تعالى : وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ قيل : المراد منه في الحال لا الدوام وإذا كان كذلك لم يكن النسخ وقيل : المراد ترك مقالتهم فعلى هذا يكون الأمر بالإعراض منسوخة بآية القتال قوله عز وجل : وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا قال الزجاج : معناه لو شاء اللّه لجعلهم مؤمنين وهذا نص صريح في أن شركهم كان بمشيئة اللّه تعالى خلافا للمعتزلة في قولهم لم يرد من أحد الكفر والشرك فالآية رد عليهم وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً يعني : وما جعلناك يا محمد على هؤلاء المشركين رقيبا ولا حافظا تحفظ عليهم أعمالهم. وقال ابن عباس في رواية عطاء : وما جعلناك عليهم حفيظا تمنعهم منّا ومعناه إنك لم تبعث لتحفظ المشركين من العذاب وإنما بعثت مبلّغا فلا تهتم بشركهم فإن ذلك بمشيئة اللّه تعالى : وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ يعني وما أنت عليهم بقيّم تقوم بأرزاقهم وما أنت عليهم بمسيطر، فعلى التفسير الأول تكون الآية منسوخة بآية السيف وعلى قول ابن عباس : لا تكون منسوخة.
قوله تعالى : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ الآية قال ابن عباس : لما نزلت : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ قال المشركون يا محمد لتنتهين عن سبب آلهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم اللّه أن يسبوا أوثانهم فيسبوا اللّه عدوا بغير علم وقال قتادة : كان المؤمنون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم فنهاهم اللّه عن ذلك لئلا يسبوا اللّه لأنهم قوم جهلة لا علم لهم باللّه عز وجل. وقال السدي : لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش انطلقوا بنا لندخل على هذا الرجل فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب كان عمه يمنعه فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية وأبيّ ابنا خلف وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص والأسود بن أبي البختري إلى أبي طالب، فقالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمدا قد آذانا وآذى آلهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه فدعاه جاء النبي صلى اللّه عليه وسلم : فقال له أبو طالب : إن هؤلاء قومك وبنو عمك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما يريدون؟ قالوا :
نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك. فقال له أبو طالب : قد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم أرأيتم إن أعطيتكم هذا فهل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم العجم وأدت لكم الخراج؟ فقال أبو جهل نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي؟ فقال : قولوا لا إله إلا اللّه «فأبوا ونفروا» فقال أبو طالب : قل غيرها يا ابن أخي فقال : يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها إرادة أن يؤيسهم فقالوا : لتكفن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمنك ونشتمن من يأمرك فأنزلت : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني ولا تسبوا أيها المؤمنون الأصنام التي يعبدها المشركون فيسبوا اللّه عدوا بغير علم يعني فيسبوا اللّه ظلما بغير علم لأنهم جهلة باللّه عز وجل. قال الزجاج : نهوا في ذلك الوقت قبل القتال أن يلعنوا الأصنام التي كانت عبدها المشركون. وقال ابن الأنباري : هذه الآية منسوخة أنزلها اللّه عز وجل والنبي صلى اللّه عليه وسلم بمكة فلما قواه بأصحابه نسخ هذه الآية ونظائرها بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. وقيل إنما نهوا عن سب الأصنام وإن كان في بسبها طاعة وهو مباح لما يترتب على ذلك من المفاسد التي هي أعظم من ذلك وهو سب اللّه عز وجل وسب رسوله وذلك من أعظم المفاسد فلذلك نهوا عن سب الأصنام وقيل لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لا تسبوا آلهتكم فيسبوا ربكم فأمسك المسلمون عن سب آلهتهم فظاهر الآية وإن كان نهيا عن سب الأصنام فحقيقته النهي عن سب اللّه تعالى لأنه سبب لذلك.
وقوله تعالى : كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ يعني كما زينا لهؤلاء المشركين عبادة الأصنام وطاعة الشيطان بالحرمان والخذلان كذلك زينا لكل أمه عملهم من الخير والشر والطاعة والمعصية وفي هذه الآية دليل على تكذيب القدرية والمعتزلة حيث قالوا لا يحسن من اللّه خلق الكفر وتزيينه.