لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢٥
السَّلامِ قال ابن عباس : يريد دين اللّه وهو الإسلام فسبله دينه الذي شرع لعباده وبعث به رسله وأمر عباده باتباعه. وقيل : سبل السلامة طرق السلام. وقيل : سبل السلام دار السلام فيكون من باب حذف المضاف وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان بِإِذْنِهِ يعني بتوفيقه وهدايته وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني دين الإسلام قوله عز وجل لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. قال ابن عباس : هؤلاء نصارى نجران، فإنهم قالوا هذه المقالة وهو مذهب اليعقوبية والملكانية من النصارى لأنهم يقولون بالحلول وأن اللّه قد حل في بدن عيسى فلما كان اعتقادهم ذلك لا جرم حكم اللّه عليهم بالكفر ثم ذكر اللّه ما يدل على فساد مذهبهم فقال تعالى : قُلْ يعني يا محمد لهؤلاء النصارى الذين يقولون هذه المقالة فَمَنْ يَمْلِكُ يعني يقدر أن يدفع مِنَ اللَّهِ شَيْئاً يعني من أمر اللّه شيئا إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ يعني يعدم المسيح وأمه وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ووجه الاحتجاج على النصارى بهذا أن المسيح لو كان إنما كما يقولون لقدر على دفع أمر اللّه إذا أراد إهلاكه وإهلاك أمه وغيرها وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إنما قال وما بينهما ولم يقل وما بينهن لأنه أراد ما بين هذين النوعين أو الصنفين من الأشياء فإنها ملكه وأهلها عبيده وعيسى وأمه من جملة عبيده يَخْلُقُ ما يَشاءُ يعني من غير اعتراض عليه فيما يخلق لأنه خلق آدم من غير أب وأم وخلق عيسى من أم بلا أب وخلق سائر الخلق من أب وأم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يعني أن اللّه تعالى لا يعجزه شيء أراده فلا اعتراض لأحد من خلقه عليه قوله تعالى :
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠)
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قال ابن عباس : أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عثمان وابن أصار وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه وكلمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعاهم إلى اللّه وحذرهم نقمته، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد نحن أبناء اللّه وأحباؤه كقول النصارى، فأنزل اللّه عز وجل فيهم وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى، نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ الآية. وسبب هذه المقالة ما حكاه السدي قال : أما اليهود فإنهم قالوا إن اللّه أوحى إلى إسرائيل إني أدخل من ولدك النار فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ثم ينادي مناد أن اخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل فيخرجون فذلك قوله تعالى : لن تمسنا النار إلا أياما معدودات. وأما النصارى، فإن فرقا منهم يقولون المسيح ابن اللّه وكذبوا فيما قالوا على اللّه تعالى فأما وجه قول اليهود فإنهم يعنون أنه من عطفه عليهم كالأب الشفيق على الولد وأما وجه قول النصارى، فإنهم لما قالوا في المسيح أنه ابن اللّه وادعوا أنه منهم فكأنهم قالوا : نحن أبناء اللّه لهذا السبب. وقيل : إن اليهود إنما قالوا هذه المقالة من باب حذف المضاف والمعنى نحن أبناء رسول اللّه وأما النصارى فإنهم تأولوا قول المسيح أذهب إلى أبي وأبيكم.
وقوله : إذا صليتم فقولوا يا أبانا الذي في السماء لنقدسن اسمك فذهبوا إلى ظاهر هذه المقالة ولم يعلموا ما أراد المسيح عليه السلام إن صحت هذه المقالة عنه فإن تأويلها أنه في بره ورحمته وعطفه على عباده الصالحين كالأب الرحيم لولده وجملة الكلام في ذلك أن اليهود والنصارى كانوا يرون لأنفسهم فضلا على من سواهم بسبب أسلافهم الأفاضل حتى انتهوا في تعظيم أنفسهم إلى أن قالوا : نحن أبناء اللّه وأحباؤه فأبطل اللّه عز وجل