لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٠١
عليه السلام وقال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فلما التقى الجمعان تناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كفا من الحصباء عليه تراب فرمى به وجوه القوم وقال :«شاهت الوجوه» يعني قبحت الوجوه فلم يبق مشرك إلا ودخل في عينه وفمه ومنخريه من ذلك التراب شيء فانهزموا وتبعهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وقال قتادة وابن زيد : ذكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم، وبحصاة في ميسرة القوم وبحصاة بين أظهرهم وقال :«شاهت الوجوه» فانهزموا فذلك قوله عز وجل : وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفا من الحصى في وجوه جيش فلا تبقى عين إلا وقد دخل فيها من ذلك شيء فصورة الرمي صدرت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتأثيرها صدر من اللّه عز وجل فلهذا المعنى صح النفي والإثبات، وقيل. في معنى الآية : وما بلغت إذ رميت ولكن اللّه بلغ رميك، وقيل : ما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بحصياتك ولكن اللّه رمى بالرعب في قلوبهم حتى انهزموا وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً يعني ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر والثواب فقد أجمع المفسرون على أن البلاء هنا بمعنى النعمة إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يعني لدعائكم عَلِيمٌ يعني بأحوالكم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٨ الى ١٩]
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)
وقوله تعالى : ذلِكُمْ يعني الذين ذكرت من أمر القتل والرمي والبلاء الحسن من الظفر بهم والنصر عليهم فعلنا ذلك الذي فعلنا وَأَنَّ اللَّهَ يعني واعملوا أن اللّه مع ذلك مُوهِنُ أي مضعف كَيْدِ الْكافِرِينَ يعني مكرهم وكيدهم قوله عز وجل : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ هذا خطاب مع المشركين الذين قاتلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر، لما التقى الجمعان : اللهم أينا كان أفخر يعني نفسه ومحمدا صلى اللّه عليه وسلم قاطعا للرحم فأحنه اليوم. وقيل : إنه قال : اللهم أينا كان خيرا عندك فانصره. وقيل : قال : اللهم انصر أهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين اللهم من كان أفخر وأقطع لرحمه فأحنه اليوم فأنزل اللّه عز وجل إن تستفتحوا ومعنى الآية إن تستحكموا اللّه على أقطع الفريقين للحرم وأظلم الفئتين فينصر المظلوم على الظالم والمحق على المبطل والمقطوع على القاطع (ق).
عن عبد الرحمن بن عوف قال : إني لواقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال أي عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك إليه يا ابن أخي. قال : أخبرت أنه يسب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فو الذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك قال : وغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت : ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه قال فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبراه فقال : أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته.
فقال : هل مسحتما سيفكما؟ فقالا : لا فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى السيفين فقال كلاكما قتله وقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسلبه لهما والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء (ق).
عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال فأخذ بلحيته فقال أنت أبو جهل وفي كتاب البخاري أنت أبو جهل هكذا قاله أنس فقال وهل فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه وفي رواية فقال أبو جهل فلو غير أكار قتلني» عن عبد اللّه بن مسعود قال : مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو اللّه يا أبا جهل قد أخزى اللّه الآخر قال :