لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٠٤
قيل هذه الإجابة مختصة بالنبي صلى اللّه عليه وسلم فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر وقيل لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير فله أن يقطع صلاته.
وقوله تعالى : لِما يُحْيِيكُمْ يعني إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم. قال السدي : هو الإيمان، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان. وقال قتادة : هو القرآن، لأنه حياة القلوب وفيه النجاة والعصمة في الدارين. وقال مجاهد :
هو الحق وقال محمد بن إسحاق : هو الجهاد لأن اللّه أعزه به بعد الذل. وقيل : هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال ابن عباس : يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي اللّه ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة اللّه. وهذا قول سعيد بن جبير والضحاك ومجاهد. وقال السدي :
يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإذنه وقد دلت البراهين العقلية على هذا القول لأن أحوال القلوب اعتقادات ودواعي وتلك الاعتقادات والدواعي لا بد أن تتقدمها الإرادة وتلك الإرادة لا بد لها من فاعل مختار وهو اللّه سبحانه وتعالى فثبت بذلك أن المتصرف في القلب كيف شاء هو اللّه تعالى (م) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول «إن قلوب بين آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك» عن أنس بن مالك قال :«كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلنا يا رسول اللّه قد آمنّا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال : نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء». أخرجه الترمذي وهذا الحديث من أحاديث الصفات، فيجب على المرء المسلم أن يمره على ما جاء مع الاعتقاد الحازم بتنزيه اللّه تعالى عن الجارحة والجسم. وقيل في معنى الآية : إن اللّه عز وجل يحول بين المرء وقلبه حتى لا يدري ما يصنع ولا يعقل شيئا. وقيل : إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم : قاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمنا والجبن جراءة.
وقوله تعالى : وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يعني في الآخرة فيجزي كل عامل بعمله فيثيب المحسن ويعاقب العاصي. قوله سبحانه وتعالى :
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٥]
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لما أخبر اللّه عز وجل أنه يحول بين المرء وقلبه حذر من وقوع المرء في الفتن والمعنى واحذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالم خاصة بل تتعدى إليكم جميعا وتصل إلى الصالح والطالح وأراد بالفتنة الابتلاء والاختبار وقيل : تقديره واتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم جميعا الظالم وغير الظالم.
قال الحسن : نزلت هذه الآية في علي وعمار وطلحة والزبير. قال الزبير : لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما نرى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها يعني ما كان منهم في يوم الجمل. وقال السدي ومجاهد والضحاك وقتادة :
هذا في قوم مخصوصين من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم أصابتهم الفتنة يوم الجمل. وقال ابن عباس : أمر اللّه عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم اللّه بالعذاب فيصيب الظالم وغير الظالم روى البغوي بسنده عن عدي بن عدي الكندي قال حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول «إن اللّه لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب اللّه العامة والخاصة» والذي ذكره ابن الأثير في جامع الأصول عن عدي بن عميرة الكندي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«إذا


الصفحة التالية
Icon