لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٠٨
في خفية لِيُثْبِتُوكَ أي ليحبسوك ويوثقوك لأن كل من شد شيئا وأوثقه فقد أثبته لأنه لا يقدر على الحركة أَوْ يَقْتُلُوكَ يعني كما أشار عليهم أبو جهل أَوْ يُخْرِجُوكَ يعني من مكة وَيَمْكُرُونَ يعني ويحتالون ويدبرون في أمرك وَيَمْكُرُ اللَّهُ يعني ويجازيهم اللّه جزاء مكرهم فسمى الجزاء مكر، لأنه في مقابلته. وقيل : معناه ويعاملهم اللّه معاملة مكرهم. والمكر : هو التدبير وهو من اللّه تعالى التدبير بالحق. والمعنى : أنهم احتالوا في إبطال أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم واللّه سبحانه وتعالى أظهره وقواه ونصره فضاع فعلهم وتدبيرهم وظهر فعل اللّه وتدبيره وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ فإن قلت كيف قال اللّه سبحانه وتعالى واللّه خير الماكرين ولا خير في مكرهم.
قلت : يحتمل أن يكون المراد واللّه أقوى الماكرين فوضع خبر موضع أقوى وفيه تنبيه على أن كل مكر يبطل بفعل اللّه. وقيل : يحتمل أن يكون المراد أن مكرهم فيه خير بزعمهم فقال سبحانه وتعالى في مقابلته : واللّه خير الماكرين. وقيل : ليس المراد التفضيل بل إن فعل اللّه خير مطلقا.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)
قوله عز وجل : وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة من بني عبد الدار وذلك أنه كان يختلف إلى أرض فارس والحيرة ويسمع أخبارهم عن رستم وإسفنديار وأحاديث العجم وكان يمر بالعباد من اليهود والنصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون ويبكون فلما جاء مكة وجد النبي صلى اللّه عليه وسلم قد أوحي إليه وهو يقرأ ويصلي. فقال النضر بن الحارث : قد سمعنا يعني مثل هذا الذي جاء به محمد لو نشاء لقلنا مثل هذا فذمهم اللّه بدفعهم الحق الذي لا شبهة فيه بادعائهم الباطل بقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا بعد التحدي وأبان عجزهم عن ذلك ولو قدروا ما تخلفوا عنه وهم أهل الفصاحة وفرسان البلاغة فبان بذلك كذبهم في قولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني أخبار الماضين.
قوله سبحانه وتعالى : وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ نزلت في النضر بن الحرث أيضا.
قال ابن عباس : لما قص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شأن القرون الماضية، قال النضر بن الحرث : لو شئت لقلت مثل هذا فقال له عثمان بن مظعون : اتق اللّه فإن محمدا صلى اللّه عليه وسلم يقول الحق قال وأنا أقول الحق. قال : فإن محمدا صلى اللّه عليه وسلم يقول لا إله إلا اللّه. قال : وأنا أقول لا إله إلا اللّه. ولكن هذه بنات اللّه، يعني الأصنام، ثم قال : اللهم إن كان هذا هو الحق يعني القرآن الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقيل : يعني إن كان الذي يقول محمد صلى اللّه عليه وسلم من أمر التوحيد وادعاء النبوة وغير ذلك هو الحق فأمطر علينا حجارة من السماء يعني كما أمطرتها على قوم لوط أو ائتنا بعذاب أليم : يعني مثل ما عذبت به الأمم الماضية، في النضر بن الحرث نزل سأل سائل بعذاب واقع. قال عطاء : لقد نزل في النضر بن الحرث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر قال سعيد بن جبير : قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا طعيمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث وروى أنس بن مالك أن الذي قال ذلك أبو جهل (ق) عن أنس قال : قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية