لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٤٣
الحرام ونسقي الحاج فأنزل اللّه هذه الآية وأخبر أن عمارتهم المسجد الحرام وقيامهم على السقاية لا ينفعهم مع الشرك باللّه وإن الإيمان والجهاد مع نية خير مما هم عليه. وقال الحسن والشعبي ومحمد بن كعب القرظي :
نزلت في علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وطلحة بن أبي شيبة افتخروا فقال طلحة أنا صاحب البيت بيدي مفاتيحه. وقال العباس : وأنا صاحب السقاية والقيامة عليها وقال ما أدري ما تقولون لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل اللّه هذه الآية أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ والسقاية مصدر كالرعاية والحماية وهي : سقي الحاج وكان العباس ابن عبد المطلب بيده سقاية الحاج وكان يليها في الجاهلية فلما جاء الإسلام وأسلم العباس أقره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك وعمارة المسجد الحرام يعني بناؤه وتشييده ومرمته كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فيه حذف تقديره كإيمان من آمن باللّه واليوم الآخر وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي وكجهاد من جاهد في سبيل اللّه.
وقيل : السقاية والعمارة بمعنى الساقي والعامر تقديره : أجعلتم ساقي الحاج وعامر المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ يعني : لا يستوي حال هؤلاء الذين آمنوا باللّه وجاهدوا في سبيل اللّه بحال من سقى الحاج وعمر المسجد الحرام وهو مقيم على شركه وكفره لأن اللّه سبحانه وتعالى لا يقبل عملا إلا مع الإيمان به وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (خ) عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس : يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشراب من عندها فقال اسقني فقال : يا رسول اللّه إنهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يستقون ويعملون فيها فقال : اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذا يعني عاتقه (م) عن بكر بن عبد اللّه المزني قال : كنت جالسا مع ابن عباس عند الكعبة فأتاه أعرابي فقال مالي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ أمن حاجة بكم أم من بخل فقال ابن عباس الحمد للّه ما بنا من حاجة ولا بخل إنما قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة فقال : أحسنتم أو أجملتم كذا فاصنعوا فلا نريد تغيير ما أمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم النبيذ تمر ينقع في الماء غدوة ويشرب عشاء أو ينقع عشاء ويشرب غدوة وهذا حلال فإن غلى وحمض حرم. قوله عز وجل :
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣)
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يعني أن من كان موصوفا بهذه الصفات يعني الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل اللّه بالمال والنفس كان أعظم درجة عند اللّه ممن افتخر بالسقاية وعمارة المسجد الحرام وإنما لم يذكر القسم المرجوح لبيان فضل القسم الراجح على الإطلاق على من سواهم والمراد بالدرجة المنزلة والرفعة عند اللّه في الآخرة وَأُولئِكَ يعني من هذه صفتهم هُمُ الْفائِزُونَ يعني بسعادة الدنيا والآخرة يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ يعني يخبرهم ربهم والبشارة الخبر السار الذي يفرح الإنسان عند سماعه وتستنير بشرة وجهه عند سماعه ذلك الخبر السار ثم ذكر الخبر الذي يبشرهم به فقال تعالى :
بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وهذا أعظم البشارات لأن الرحمة والرضوان من اللّه عز وجل على العبد نهاية مقصوده وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ يعني أن نعيم الجنة دائم غير منقطع أبدا خالِدِينَ فِيها يعني في الجنان وفي