لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٤٦
الحارث بن عبد المطلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم نفارقه ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على بلغة له بيضاء أهداها له فروة بن فاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولي المسلمون مدبرين فطفق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي عباس ناد أصحاب السمرة فقال العباس، وكان رجلا صيتا : فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة. قال : فو اللّه لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا لبيك لبيك. قال : فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون : يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار قال : ثم قصرت الدعوة على بني الحرث بن الخزرج. فقالوا : يا بني الحرث بن الخزرج يا بني الحرث بن الخزرج فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذا حين حمي الوطيس قال ثم أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال : انهزموا ورب محمد. قال : فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال :
فو اللّه ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا.
قوله حمي الوطيس، أي اشتد الحرب. قال الخطابي : هذه الكلمة لم تسمع قبل أن يقولها النبي صلى اللّه عليه وسلم من العرب وهي ما اقتضبه وأنشأه. والوطيس في اللغة : التنور. وقوله : حدهم كليلا يعني لا يقطع شيئا (م) عن سلمة بن الأكوع قال : غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حنينا قال : فلما غشوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نزل عن بلغته ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم. وقال : شاهت الوجوه فما خلق اللّه منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم اللّه بذلك وقسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين أخرجه مسلم بزيادة فيه قال سعيد بن جبير : أمد اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين. وروى أن رجلا من بني نصر يقال له شجرة قال للمؤمنين بعد القتال : أين الخيل البالق والرجال عليهم ثياب بيض ما كنا نراهم فيكم إلا كهيئة الشامة وما كان قتلنا إلا بأيديهم فأخبر بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : تلك الملائكة. وروي أن رجلا من المشركين قال يوم حنين لما التقينا وأصحاب محمد لم يقفوا لنا حلب شاة أن كشفناهم فبينا نحن نسوقهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان فقالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا. قال : فانهزمنا وركبوا أكتافنا فكانت إياها.
واختلفوا هل قاتلت الملائكة يوم حنين على قولين والصحيح أنها لم تقاتل إلا يوم بدر وإنما كانت الملائكة يوم حنين مددا وعونا. وذكر البغوي أن الزهري قال : بلغني أن شيبة بن عثمان قال استدبرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين وأنا أريد قتله بطلحة بن عثمان وعثمان بن طلحة وكانا قد قتلا يوم أحد فأطلع اللّه رسوله على ما في نفسي فالتفت إليّ وضرب في صدري وقال أعيذك باللّه يا شيبة فأرعدت فرائضي فنظرت إليه وهو أحب إليّ من سمعي وبصري فقلت أشهد أنك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أطلعك اللّه على ما في نفسي فلما هزم اللّه المشركين وولوا مدبرين انطلقوا إلى أوطاس وبها عيالهم وأموالهم فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلا من الأشعريين يقال له أبو عامر وأمره على الجيش فسار إلى أوطاس فاقتتلوا بها وقتل دريد بن الصمة وهزم اللّه المشركين وسبى المسلمون عيال المشركين وهرب أميرهم مالك بن عوف النصري فأتى الطائف فتحصن بها وأخذ ماله وأهله فيمن أخذ وقتل أبو عامر أمير المسلمين. قال الزهري : أخبرني سعيد بن المسيب أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف صبي ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى الطائف فحاصرهم بقية ذلك الشهر فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم وأتى الجعرانة فأحرم منها بعمرة وقسم بها غنائم حنين وأوطاس وتألف أناسا منهم أبو سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو والأقرع بن حابس فأعطاهم (ق). عن أنس بن مالك أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء اللّه على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر اللّه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم


الصفحة التالية
Icon