لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٦١
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني أنه تعالى نصره في الوقت الذي أخرجه فيه كفار مكة من مكة حين مكروا به وأرادوا قتله ثانِيَ اثْنَيْنِ يعني هو واحد اثنين وهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر إِذْ هُما فِي الْغارِ يعني إذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر في الغار والغار نقب عظيم يكون في الجبل وهذا الغار في جبل ثور وهو قريب من مكة إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ يعني يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبي بكر الصديق لا تحزن وذلك أن أبا بكر خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهم فجزع من ذلك فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تحزن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا يعني بالنصر والمعونة قال الشعبي : عاتب اللّه عز وجل أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر وقال الحسن بن الفضل : من قال إن أبا بكر لم يكن صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهو كافر لإنكاره نص القرآن وفي سائر الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعا ولا يكون كافرا.
عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأبي بكر : أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار. أخرجه الترمذي. وقال : حديث حسن غريب (ق) عن أبي بكر الصديق قال : نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول اللّه لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللّه ثالثهما. قال الشيخ محيي الدين النووي معناه : ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد وهو داخل في قوله سبحانه وتعالى أن اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وفيه بيان عظيم على توكل النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى في هذا المقام وفيه فضيلة لأبي بكر وهي من أجل مناقبه والفضيلة من أوجه منها اللفظ الدال على أن اللّه ثالثهما ومنها بذله نفسه ومفارقته أهله وماله ورئاسته في طاعة اللّه وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم وملازمته النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعاداة الناس فيها ومنها جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك.
روي عن عمر بن الخطاب أنه ذكر عنده أبو بكر فقال : وددت أن عملي كله مثل عمله يوما واحدا من أيامه وليلة واحدة من لياليه أما فليلته ليلة سار مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الغار فلما انتهيا إليه قال واللّه لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخله فكنسه ووجد في جانبه ثقبا فشق إزاره وسدها به وبقي منهما ثقبان فألقمهما رجليه ثم قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ادخل فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووضع رأسه في حجره ونام فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : مالك يا أبا بكر فقال : لدغت فداك أبي وأمي فتفل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه وكان سبب موته وأما يومه فلما قبض صلى اللّه عليه وسلم ارتدت العرب، وقالوا : لا نؤدي الزكاة فقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول اللّه تألف الناس وارفق بهم. قال : لي أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام أنه قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي أخرجه في جامع الأصول ولم يرقم عليه علامة لأحد قال البغوي وروي أنه حين انطلق مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الغار جعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : مالك يا أبا بكر؟
فقال : أذكر الطلب فأمشي خلفك واذكر الرصد فأمشي بين يديك فلما انتهيا إلى الغار قال : مكانك يا رسول اللّه حتى أستبرئ الغار فدخل فاستبرأه ثم قال انزل يا رسول اللّه فنزل وقال له : إن أقتل فأنا رجل واحد من المسلمين وإن قتلت هلكت الأمة.
( (ذكر سياق حديث الهجرة وهو من أفراد البخاري)) عن عائشة قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال : أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في