لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٧٨
إن ما يقول محمد حق وأنتم شر من الحمير ثم أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وأخبره فدعاهم فسألهم فأنكروا وحلفوا أن عامرا كذاب وحلف عامر أنهم كذبة فصدقهم النبي صلى اللّه عليه وسلم فجعل عامر يدعو ويقول : اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب.
فأنزل اللّه هذه الآية. وقال مقاتل والكلبي : نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتوه يعتذرون ويحلفون، فأنزل اللّه هذه الآية. والمعنى : يحلف لكم أيها المؤمنون هؤلاء المنافقون ليرضوكم يعني فيما بلغكم عنهم من أذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ اختلفوا في معنى هذا الضمير إلى ماذا يعود فقيل : الضمير عائد على اللّه تعالى لأن في رضا اللّه رضا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمعنى واللّه ورسوله أحق أن يرضوه بالتوبة والإخلاص.
وقيل : يجوز أن يكون المراد يرضوهما فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر.
وقيل : معناه واللّه أحق أن يرضوه وكذلك رسوله : إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ يعني إن كان هؤلاء المنافقون مصدقين بوعد اللّه ووعيده في الآخرة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤)
قوله سبحانه وتعالى : أَلَمْ يَعْلَمُوا قال أهل المعاني ألم تعلم خطاب لمن علم شيئا ثم نسيه أو أنكره فيقال له ألم تعلم أنه كان كذا وكذا ولما طال مكث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين أظهر المؤمنين والمنافقين وعلمهم من أحكام الدين ما يحتاجون إليه خاطب المنافقين بقوله ألم يعلموا يعني من شرائع الدين التي علمهم رسولنا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني أنه من يخالف اللّه ورسوله.
وأصل المحاداة في اللغة : المخالفة والمجانبة والمعادة. واشتقاقه : من الحد. يقال : حاد فلان فلانا إذا صار في غير حده وخالفه في أمره. وقيل : معنى يحادد اللّه ورسوله أي يحارب اللّه ورسوله ويعاند اللّه ورسوله فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ أي فحق أن له نار جهنم خالِداً فِيها يعني على الدوام ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ يعني ذلك الخلود في نار جهنم هو الفضيحة العظيمة.
قوله عز وجل : يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ يعني يخشى المنافقون أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ يعني على المؤمنين تُنَبِّئُهُمْ يعني تخبر المؤمنين بِما فِي قُلُوبِهِمْ يعني بما في قلوب المنافقين من الحسد والعداوة للمؤمنين وذلك أن المنافقين كانوا فيما بينهم يذكرون المؤمنين بسوء ويسترونه ويخافون الفضيحة ونزول القرآن في شأنهم.
قال قتادة : وهذه السورة كانت تسمى الفاضحة والمبعثرة والمثيرة يعني أنها فضحت المنافقين وبعثرت عن أخبارهم وأثارتها وأسفرت عن مخازيهم ومثالبهم.
وقال ابن عباس : أنزل اللّه ذكر سبعين رجلا من المنافقين بأسمائهم وأسماء آبائهم ثم نسخ ذكر الأسماء رحمة منه على المؤمنين لئلا يعير بعضهم بعضا لأن أولادهم كانوا مؤمنين قُلِ اسْتَهْزِؤُا أمر تهديد فهو كقوله اعملوا ما شئتم إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ أي مظهر ما تَحْذَرُونَ والمعنى أن اللّه سبحانه وتعالى يظهر إلى الوجود ما كان المنافقون يسترونه ويخفونه عن المؤمنين. قال ابن كيسان : نزلت هذه الآية في اثني عشر رجلا من المنافقين