لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٣٩
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨)
قوله عز وجل : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى قال ابن عباس : للذين شهدوا أن لا إله إلا اللّه الجنة. وقيل :
معناه للذين أحسنوا عبادة اللّه في الدنيا من خلقه وأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم عنه الحسنى، قال ابن الأنباري :
الحسنى في اللغة، تأنيث الأحسن والعرب توقع هذه اللفظة على الخلة المحبوبة والخلصة المرغوب فيها.
وقيل : معناه للذين أحسنوا المثوبة الحسنى وَزِيادَةٌ اختلف المفسرون في معنى هذه الحسنى وهذه الزيادة على أقوال :
القول الأول : إن الحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه اللّه الكريم وهذا قول جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وهو قول الحسن وعكرمة والضحاك ومقاتل والسدي ويدل على صحة هذا القول المنقول والمعقول أما المنقول فما روي عن صهيب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول اللّه تبارك وتعالى أتريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب قال فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى» زاد في رواية «ثم تلا هذه الآية : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة» أخرجه مسلم. وروى الطبري بسنده عن كعب بن عجرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال : الزيادة النظر إلى وجه اللّه الكريم.
وعن أبي بن كعب أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قول اللّه سبحانه وتعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.
قال : الحسنى : الجنة وزيادة : قال النظر إلى وجه اللّه. وعن أبي موسى الأشعري قال :«إن كان يوم القيامة بعث اللّه إلى أهل الجنة مناديا ينادي هل أنجزكم اللّه ما وعدكم به فينظرون إلى ما أعد اللّه لهم من الكرامات فيقولون نعم فيقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى وفي رواية رفعها أبو موسى قال عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«إن اللّه يبعث يوم القيامة» وذكره بمعناه. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :«إذا دخل أهل الجنة الجنة قال اللّه لهم : هل بقي من حقكم شيء لم تعطوه قال : فيتجلى لهم عز وجل قال فيصغر عندهم كل شيء أعطوه ثم قال للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال الحسنى الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه ربهم» فهذه الأخبار والآثار قد دلت على أن المراد بهذه الزيادة هي النظر إلى وجه اللّه تبارك وتعالى. وأما المعقول فنقول :
إن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف فانصرفت إلى المعهود السابق وهو الجنة في قوله سبحانه وتعالى واللّه يدعو إلى دار السلام فثبت بهذا أن المراد من لفظة الحسنى هي الجنة وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الزيادة أمرا مغايرا لكل ما في الجنة من النعيم وإلا لزم التكرار وإذا كان كذلك وجب حمل هذه الزيادة على رؤية اللّه تبارك وتعالى ومما يؤكد ذلك قوله سبحانه وتعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ فأثبت لأهل الجنة أمرين أحدهما النضارة وهو حسن الوجوه وذلك من نعيم الجنة، والثاني النظر إلى وجه اللّه سبحانه وتعالى وآيات القرآن يفسر بعضها بعضا فوجب حمل الحسنى على الجنة ونعيمها وحمل الزيادة على رؤية اللّه تبارك وتعالى. وقالت المعتزلة : لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية، لأن الدلائل العقلية دلت على أن رؤية اللّه سبحانه وتعالى ممتنعة، ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه ورؤية اللّه ليست من جنس نعيم الجنة ولأن الأخبار التي تقدمت توجب التشبيه ولأن جماعة من المفسرين حملوا هذه الزيادة على غير الرؤية فانتفى ما قلتم.