لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٤٣
الأول : أن معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال من مكان إلى مكان فيكون المعنى أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان آخر إلا أن تحمل وتنقل، فبين سبحانه وتعالى بها عجز الأصنام.
الوجه الثاني : أن ذكر الهداية في حق الأصنام على وجه المجاز وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر به عمن يسمع ويعقل ويعلم ووصفها بهذه الصفة وإن كان الأمر ليس كذلك.
الوجه الثالث : يحتمل أن يكون المراد من قوله هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده الأصنام، والمراد من قوله هل من شركائكم من يهدي إلى الحق رؤساء الكفر والضلالة فاللّه سبحانه وتعالى هدى الخلق إلى الدين بما ظهر من الدلائل الدالة على وحدانيته وأما رؤساء الكفر والضلالة فإنهم لا يقدرون على هداية غيرهم إلا إذا هداهم اللّه إلى الحق فكان اتباع دين اللّه والتمسك بهدايته أولى من اتباع غيره.
وقوله سبحانه وتعالى : فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ قال الزجاج : فما لكم كلام تام كأنه قيل لهم : أي شيء لكم في عبادة هذه الأصنام. ثم قال : كيف تحكمون؟ يعني : على أي حال تحكمون. وقيل : معناه كيف تقضون لأنفسكم بالجور حين تزعمون أن مع اللّه شريكا وقيل معناه بئسما حكمتم إذ جعلتم للّه شريكا من ليس بيده منفعة ولا مضرة ولا هداية.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠)
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا يعني : وما يتبع أكثر هؤلاء المشركين إلا ما لا علم لهم بحقيقته وصحته بل هم في شك منه وريبة وقيل المراد بالأكثر الكل لأن جميع المشركين يتبعون الظن في دعواهم أن الأصنام تشفع لهم وقيل المراد بالأكثر الرؤساء إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً يعني أن الشك لا يغني عن اليقين شيئا ولا يقوم مقامه وقيل في الآية إن قولهم إن الأصنام آلهة وإنها تشفع لهم ظن منهم لم يرد به كتاب ولا يعني أنها لا تدفع عنهم من عذاب اللّه شيئا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ يعني من اتباعهم الظن وتكذيبهم الحق اليقين.
قوله تعالى : وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني وما كان ينبغي لهذا القرآن أن يختلق ويفتعل لأن معنى الافتراء الاختلاق والمعنى ليس وصف القرآن وصف شيء ممكن أن يفترى به على اللّه لأن المفترى هو الذي يأتي به البشر وذلك أن كفار مكة زعموا أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم أتى بهذا القرآن من عند نفسه على سبيل الافتعال والاختلاق فأخبر اللّه عز وجل أن هذا القرآن وحي أنزله اللّه عليه وأنه مبرأ عن الافتراء والكذب وأنه لا يقدر عليه أحد إلا اللّه تعالى.
ثم ذكر سبحانه وتعالى ما يؤكد هذا بقوله : وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني ولكن اللّه أنزل هذا القرآن مصدقا لما قبله من الكتب التي أنزلها على أنبيائه كالتوراة والإنجيل. وتقرير هذا، أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولم يجتمع بأحد من العلماء، ثم إنه صلى اللّه عليه وسلم أتى بهذا القرآن العظيم المعجز وفيه أخبار الأولين وقصص